عاجل

مقام أبي الدرداء.. ولي من زمن الصحابة يعيش في وجدان محبيه بكرامات وتجليات

مقام أبي الدرداء
مقام أبي الدرداء بالإسكندرية

وسط الطريق  ضريح يخطف الأرواح قبل الأبصار لقسمه الطريق نصفين بمنطقة الفراهده والقرب من مديرية أمن الإسكندرية القديمة والتي كانت أحد القصور لخواجه يوناني 

ويقف مقام وضريح "سيدي أبي الدرداء" شامخًا كنبراس للزائرين، يلوذ به أهل المدينة في السراء والضراء، يطلبون بركته ويفتشون عن السكينة في حضرته. هو ليس مجرد مزار ديني، بل شاهد على موروث شعبي وروحاني متجذر في الوجدان السكندري.

أبو الدرداء.. من هو؟

يُنسب المقام إلى الصحابي الجليل عويمر بن عامر الأنصاري الخزرجي، المعروف بـ"أبي الدرداء"، أحد فضلاء الصحابة وعبّادهم، وقد عُرف بالحكمة والزهد. وتشير بعض الروايات إلى أنه جاء إلى الإسكندرية في بعثة دعوية خلال فترة الفتوحات الإسلامية، وربما دُفن فيها، بينما ترجح روايات أخرى أن المدفون بالمقام هو أحد الأولياء المتصوفة الذين حملوا اسمه تبركًا وتشبهاً به، خاصة مع كثرة تداول الأسماء في التاريخ الصوفي.

الموقع والتاريخ والعمارة

يقع مقام سيدي أبي الدرداء في شارع يحمل اسمه بحي الجمرك، أحد أقدم أحياء الإسكندرية. يعود بناء الضريح إلى العصر العثماني أو المملوكي، حسب تقديرات بعض الباحثين، ويتميز بتصميمه الإسلامي البسيط، حيث القبة الخضراء والحجرة المستطيلة التي تضم الضريح، وسط جدران مغطاة بالنقوش والزخارف الخشبية.

الضريح مسجل ضمن الآثار الإسلامية، ويُعد من أشهر المزارات الروحية في المدينة، إلى جانب مقامات أخرى مثل مقام المرسى أبو العباس وسيدي ياقوت العرش.



كرامات وتجليات أبي الدرداء

تحيط بالمقام هالة من القدسية والروحانية، ويروي الزوّار وأهالي المنطقة العديد من القصص عن كرامات أبي الدرداء، التي يؤمنون أنها ظهرت لهم في أشد لحظات المحن.
حكاية يحكيها العامه من مريديه ، انه حينما أراد الأمير عمر طوسون بناء الطرق وشقّها بالمدينة استعان بالمهندسين الأجانب لرسم خطوط الترام واستقدام عرباته لتشق طرقات المدينة، فأشار مهندس إلى الضريح بيديه لإزالته حتى يُكمل الترام طريقه المرسوم، يقول الناس إن يد المهندس لم تعود للحركة أبدًا فأصيبت بالشلل، وحينما سمع الأمير عمر طوسون بالواقعة صمم على عدم نقل الضريح أبدًا، وغيّر مسار الترام واستعان بالمهندسين لبناء بناء فخم يليق بالضريح، ليظل حتى يومنا الحالي ضريح يتوسط الشارع، ويدور من حوله الترام كآية شاهدة على كرامات صاحب الضريح، تلك هي واحدة من الأساطير التي يتناقلها الناس عن صاحب الكرامات ويدافعون عنها باستماتة شديدة.
وحكاية أخري يجري تداوله، منذ  عام 1941 في الحرب العالمية الثانية بينما تشتد الغارات على مدينة الإسكندرية، تحديدًا في منطقة اللبان بالمنشية بغرب المدينة حيث يقع مبنى قديم لمديرية الأمن تتجمع فيه الجنود درءًا للهجوم المستمرعلى المدينة والذي دمر معظم مناطقها، بجوار المبنى القديم استفاق خواجة يوناني من نومه على صوت الغارات فهبّ بسرعة كي يغادر مبناه، في الأسفل وأمام المقام الصغير المقابل لمبناه رأى ما أفزعه، وما وصفه بعد ذلك للناس هو طيف أبيض منير يخرج من مبنى المقام الصغير ثم يصدّ بيده القنابل كي يحمي المنطقة التي بالفعل لم يصيبها أي ضرر جراء القصف المستمر، يحكي الناس تلك الحكاية عن الخواجة الذي أشهر إسلامه حينما رأى طيف أبي الدرداء ينقذ المدينة، تلك من أشهر الأساطير المتداولة عن الضريح.

، إحدى الزائرات تقول كنت مريضة جدًا والدكاترة قالوا مافيش أمل.. وفي ليلة خميس دخلت المقام وبكيت قدامه، ودعيت. بعد أيام بدأت أتحسن. من ساعتها وأنا باعتبره صاحب الفضل بعد ربنا".

أما الحاج محمود، أحد خدام المقام، فيحكي:

"في ست كانت بتبكي على باب الضريح علشان جوزها كان في غيبوبة.. دخلت وقرأت الفاتحة ودعت، وبعدها رجعت بعد يومين توزع حلاوة وتقول: أبو الدرداء ما خيبنيش".

وتنتشر بين محبي الشيخ حكايات عن رؤى منامية يتجلى فيها أبو الدرداء لمن يطلبه بصدق، يقدم لهم النصح أو يبشّرهم بالفرج. كما يحكي بعض الزوار عن نور يظهر داخل المقام في ليالٍ معينة، يعتبرونه تجليًا من تجليات الشيخ.

طقوس وزيارات.. ومطالب بالترميم

لا يخلو المقام من الزائرين في أي يوم من أيام الأسبوع، وخاصة في ليالي الخميس، حيث تقام حلقات الذكر وقراءة الفاتحة وتوزيع الحلوى. كما يشهد المقام توافد النساء على وجه الخصوص، طلبًا للشفاء أو لتحقيق نذر.

ورغم الشعبية الكبيرة، يعاني المقام من الإهمال، وتظهر على جدرانه آثار الرطوبة والتصدعات. ويطالب الأهالي والمهتمون بالتراث وزارة الأوقاف وهيئة الآثار بالتدخل السريع لترميم الضريح وصيانته.

المقام في قلب الثقافة الشعبية

يمثل ضريح أبي الدرداء جزءًا أصيلًا من الثقافة الشعبية السكندرية، يتوارثه الناس جيلًا بعد جيل، حتى من غير المتصوفة. فزيارته لا ترتبط فقط بالمعتقد، بل أيضًا بالمحبة والعادة والتاريخ، وهو ما يفسر استمرار زيارته حتى اليوم، رغم تغير الزمان وتبدل الأفكار.


و يظل مقام أبي الدرداء شاهدًا حيًا على تداخل الدين بالتاريخ بالثقافة الشعبية في الإسكندرية. هو مكان لا تقيّمه جدرانه أو مساحته، بل قصص الناس حوله، وإيمانهم ببركته، وذكرياتهم المرتبطة به. ولعل الحفاظ عليه ليس فقط حماية لمبنى، بل لصورة روحية تشكّل جزءًا من هوية مدينة البحر.

 

 

تم نسخ الرابط