لماذا يُسمى المحرم بـ"شهر الله"؟.. تعرف على الفضل والحكم

مع اقتراب غرة شهر المحرم وبداية العام الهجري الجديد، يتساءل الكثير من المسلمين حول العالم عن حكم صيام شهر المحرم كاملًا، خصوصًا مع ما ورد عن فضله في الأحاديث النبوية، ورد هذا السؤال إلى دار الإفتاء المصرية، التي حرصت على توضيح الحكم الشرعي الصحيح، في وقت يستعد فيه المسلمون لاستقبال أول شهور التقويم الهجري بروح من العبادة والتقوى.
دار الإفتاء: لا مانع من صيام شهر المحرم كاملًا
أجابت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمي، على سؤال ورد من أحد المتابعين نصه: "هل يجوز صيام شهر المحرم كاملًا؟"، فأكدت الدار أنه لا مانع شرعًا من صيام الشهر كاملًا، مشيرة إلى أن الصيام فيه مستحب ومندوب، وهو من أعظم الأعمال الصالحة التي يمكن أن يبدأ بها المسلم عامه الجديد.
واستندت دار الإفتاء في فتواها إلى حديث رسول الله ﷺ الذي قال فيه: «أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرَّم»
رواه أبو داود والترمذي، وهو حديث يوضح بشكل صريح فضل صيام هذا الشهر الكريم، الذي يندرج ضمن الأشهر الحُرم التي عظّم الله شأنها في كتابه.
ما فضل شهر المحرم؟.. ولماذا سُمي "شهر الله"؟
شهر المحرم يُعد من أعظم شهور الله، ويحتل مكانة خاصة في قلوب المسلمين، حيث يُعرف باسم "شهر الله المحرم"، وهي تسمية تفيد التشريف والتكريم من الله عز وجل. وهو أول شهور السنة الهجرية، ويُصنف ضمن الأشهر الأربعة الحُرم، التي قال الله فيها: "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا... مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ" [التوبة: 36].
وهذه الأشهر الحرم هي: ذو القعدة، ذو الحجة، المحرم، ورجب، والصيام فيها جميعًا من الأعمال المستحبة، إلا أن المحرم يُعد أفضلها على الإطلاق بعد رمضان، بحسب النص النبوي.
هل ارتبطت فعليًا بهجرة النبي؟
وفي سياق متصل، أوضحت دار الإفتاء معلومة تاريخية قد تخفى على البعض، وهي أن بداية العام الهجري لا تتزامن مع تاريخ هجرة النبي ﷺ الفعلي من مكة إلى المدينة، حيث كانت هجرته في شهر ربيع الأول، وليس في المحرم.
لكن جرت العادة على أن يُعدّ شهر المحرم هو بداية التقويم الهجري، وذلك لما ورد عن الحافظ ابن حجر في كتابه "فتح الباري"، والذي قال فيه:
"إنما أُخّر اختيار بداية السنة من ربيع الأول إلى المحرّم، لأن العزم على الهجرة كان في المحرم، إذ وقعت بيعة العقبة في ذي الحجة، وكان أول هلال استُهِل بعد هذه البيعة هو هلال المحرّم، فناسب أن يكون بداية السنة".
هل الأفضل صيام المحرم كله أم أيام معينة فقط؟
رغم أنه يجوز للمسلم صيام شهر المحرم كاملًا، فإن بعض العلماء استحبوا التركيز على أيام محددة فيه، مثل يوم عاشوراء (اليوم العاشر من المحرم) الذي يُكفّر ذنوب سنة ماضية، ويوم تاسوعاء (اليوم التاسع)، اتباعًا لسنة النبي ﷺ في مخالفة اليهود، حيث ورد:"لَئِنْ بَقِيتُ إلى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ" (رواه مسلم).
وبذلك، فإن الجمع بين صيام التاسع والعاشر أو العاشر والحادي عشر من المحرم يُعد من السنن المؤكدة، ومن أفضل الأعمال في هذه الأيام المباركة.
هل الصيام في المحرم يُعادل رمضان؟
من الأخطاء الشائعة بين الناس الاعتقاد بأن صيام المحرّم يُعادل في فضله صيام رمضان. وهذا غير صحيح. فرغم أن النبي ﷺ وصفه بأنه "أفضل الصيام بعد رمضان"، فإنه لا يُقارن من حيث الأجر والفرضية، إذ أن رمضان فريضة واجبة، أما المحرم فالصيام فيه نافلة ومستحب.
ومع ذلك، فإن من أراد أن يُكثر من الطاعات مع بداية السنة الهجرية، فإن صيام أيام من المحرم -أو الشهر كله إن استطاع- يُعد بداية موفقة، تُرجى بركتها في بقية العام.
صيام المحرم.. بداية روحية لعام هجري جديد
في ظل الأزمات التي تمر بها الأمة، والضغوط الحياتية التي تثقل كاهل الناس، يبقى شهر المحرم فرصة ذهبية للتجديد الروحي والتقرب إلى الله، وبدء العام الهجري الجديد بنية خالصة، وأعمال صالحة، وعلى رأسها الصيام.
وما أحوجنا إلى أن نستعيد فضل هذا الشهر، لا بالاحتفالات الشكلية فقط، بل بالسير على هدي الحبيب المصطفى ﷺ، والتمسك بسنة الصالحين الذين سبقونا بالإيمان.