سلامة داود: الرزق "فضل من الله" وتعبير قرآني يرسم أبعادًا روحية للتجارة

أكد الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر الشريف، أن القرآن الكريم يقدم رؤية روحية سامية لمعنى الرزق والعمل، من خلال آياته البليغة التي تُعزز مفهوم أن الرزق ليس مجرد نتيجة للكد والجهد، بل هو فضل من الله يُمنح بقدره ومشيئته.

 جاء ذلك خلال مشاركته في أحد البرامج التليفزيونية، حيث تحدث بتأمل عميق عن دلالات آية الحج الواردة في قوله تعالى: "ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلًا من ربكم، فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام".

القرآن يربط التجارة 

وأوضح سلامة داود أن اختيار القرآن الكريم لكلمة "فضل" بدلاً من "تجارة" ليس أمرًا لغويًا عابرًا، بل يحمل تأديبًا إلهيًا رفيعًا للنفس المؤمنة، ليرسخ في وجدان المسلم أن الرزق بيد الله وحده، وأن الإنسان مهما أوتي من ذكاء أو مهارة أو جهد، فإن ما يصيبه من رزق هو منحة من الخالق لا من ذاته.

وأضاف سلامة داود: "التعبير القرآني هنا يعيد توجيه نية الإنسان، حتى وهو يسعى في الدنيا، ليُدرك أن فضل الله هو المهيمن على كل أسباب الرزق".

السعي في طلب الرزق 

أشار سلامة داود إلى أن القرآن لم يُحرّم السعي في التجارة أو العمل خلال موسم الحج، بل أباح ذلك بوضوح، مؤكدًا أن الإسلام دين واقعي لا يقطع الصلة بين العبادة والعمل، بل يدمج بينهما في توازن راقٍ.

وأضاف سلامة داود أن الآية الكريمة جاءت لتفتح الباب أمام الحجاج من ذوي الدخل المحدود، فيؤدون مناسكهم وفي الوقت ذاته يعملون ويكسبون رزقهم بالحلال.

وأوضح سلامة داود أن التعبير بـ"فضلًا من ربكم" لا يقتصر على البيع والشراء، بل يشمل كل أبواب الرزق المشروع، مثل العمل اليدوي، أو تقديم خدمات للحجاج، مشيرًا إلى أن هذا هو جوهر الرحمة الإسلامية التي لا تفصل بين متطلبات الروح والجسد.

الإفاضة من عرفات

وفي تفسيره لمشهد الإفاضة من عرفات الذي ورد ذكره في الآية دون الإشارة إلى لحظة الوقوف نفسها، أشار سلامة داود إلى دقة التصوير القرآني، حيث يركّز على لحظة جامعة تحدث في وقت واحد وهي غروب يوم عرفة، حين ينفر الحجاج جميعًا من جبل عرفات إلى المزدلفة.

وفسّر سلامة داود هذا المشهد بأنه رمز ليوم الحشر، حيث يخرج الناس من قبورهم في وقت واحد، كما يفيض الحجيج في مشهد يُمثّل وحدة البشرية في الموقف الأعظم.

وأضاف سلامة داود: "هذا الترابط بين الطقس والشعيرة من جهة، والمغزى الأخروي من جهة أخرى، يفتح أمام المسلم آفاقًا جديدة للتأمل في رحلة الحج بوصفها تدريبًا روحيًا على يوم القيامة".

الإسلام يجمع بين الروح 

اختتم سلامة داود حديثه بالتأكيد على أن القرآن يعلّم الإنسان أن يسعى في الأرض بجد، لكنه في الوقت نفسه يرسّخ أن النتائج مرهونة بمشيئة الله، وأن الإيمان الحقيقي لا يفصل بين العبادة والسعي، بل يُوحّدهما في روح واحدة.

وشدد سلامة داود على أن الحج لا يقتصر على الطقوس، بل هو رحلة لبناء النفس وتذكيرها بالحساب، وموسم للجمع بين العمل الصالح وذكر الله في آنٍ واحد.