البيانات أقوى من الرصاص: تأثير الهجمات السيبرانية على الأمن القومي

بينما تتصاعد حدة التوترات العسكرية بين إيران وإسرائيل، يبرز ميدان جديد للصراع، لم يعد خفيًا، بل بات مهيمنًا على المشهد الأمني والاستخباراتي في المنطقة: "الحرب السيبرانية".
وبعد أسبوع على بدء العدوان الإسرائيلي على إيران في 13 يونيو الحالي تحوّل اختراق الكاميرات والهواتف والأجهزة المحمولة وغيرها من الهجمات السيبرانية إلى جزء أساسي من المواجهة. ومع أن الاحتلال تمكن من تحقيق اختراقات واسعة النطاق، خصوصاً في الأيام الأولى للعدوان، عبر اغتيال العديد من القادة العسكريين في الحرس الثوري والجيش الإيرانيين.
واستطاعت إيران بالأمس اختراق كاميرات المراقبة في إسرائيل، واستغلت كاميرات المراقبة الأمنية الخاصة في إسرائيل لجمع معلومات استخباراتية آنية لتنفيذ الهجمات، إذ لطالما حذّر باحثون من نقاط ضعف تلك الأجهزة التي ظهرت في صراعات عالمية أخرى مثل الغزو الروسي لأوكرانيا وحرب غزة.
كاميرات المراقبة أسلحة فتاكة
وفي تصريحات خاصة لـ" نيوز رووم" أكد الدكتور محمد محسن رمضان، مستشار الأمن السيبراني ومكافحة الجرائم الإلكترونية، أكد أن هذه الحرب الذكية تُخاض الآن على مستوى الخوادم والبيانات لا في ميادين القتال التقليدية، حيث تحولت التطبيقات، والكاميرات، والبنى التحتية الرقمية إلى أسلحة فتاكة.
منصات التواصل كسلاح استخباراتي
وأوضح الدكتور محمد محسن أن تطبيقات مثل فيسبوك، تيليجرام، تيك توك، وإنستغرام أصبحت أدوات رئيسية في الحرب النفسية، وجمع المعلومات، وتجنيد الرأي العام. موضحا أن الطرفان – إيران وإسرائيل – يستخدمان هذه المنصات لرصد النشطاء، وتوجيه الرسائل، ومراقبة التحركات.
كما حذّر الدكتور رمضان من تحول أجهزة إنترنت الأشياء وكاميرات المراقبة إلى نقاط اختراق رئيسية، مشيرًا إلى تقارير عن عمليات تجسس واختراق لكاميرات في مدن إسرائيلية وإيرانية، بعضها استُخدم لرصد تحركات عسكرية، وأخرى لبث رسائل تهديد.
من الطائرات إلى البيانات
وأضاف مستشار الأمن السيبراني أن الحرب لم تعد تُقاس بعدد الصواريخ والطائرات، بل بعدد قواعد البيانات المُخترقة، والبنى التحتية المعطلة، والتسريبات الموجهة. واستشهد بتقارير عن تعطيل أنظمة الملاحة الجوية الإسرائيلية، وتسريبات استهدفت مسؤولين عسكريين، كدليل على تصاعد المواجهة السيبرانية.
حرب سيبرانية شاملة
يرى الدكتور رمضان أن ما نشهده حاليًا يُمثل نموذجًا متكاملًا لـ"حرب سيبرانية شاملة"، تترافق مع الضربات العسكرية التقليدية أو تمهد لها. فهي تضرب القدرة على التقدير السليم، تعطل الاتصالات وسلاسل الإمداد، وتُستغل لتأجيج الفوضى.
ويحذر من انخراط أطراف غير حكومية، مثل مجموعات هاكرز مدعومة أو مستقلة، في هذه الحرب، ما يجعلها معركة مفتوحة تفتقر إلى الضوابط القانونية والمعايير الإنسانية.
موقف العالم العربي
وفي تقييمه لوضع الدول العربية، أشار إلى أن كثيرًا منها لا يزال يتعامل مع الأمن السيبراني كقضية تقنية، لا تهديدًا للأمن القومي. داعيًا إلى ضرورة بناء مراكز سيطرة وطنية رقمية، وتعزيز أمن البيانات، وتطوير أنظمة إنذار مبكر، وإطلاق حملات توعية مجتمعية.
وختم بقوله إننا في زمن "تتفوق فيه البيانات على الرصاص، والذكاء الاصطناعي على القادة الميدانيين"، مؤكدًا أن الصراع الإيراني الإسرائيلي ما هو إلا إنذار صارخ بدخول العالم في مرحلة جديدة من الحروب