عاجل

حدود الرد.. قراءة في استراتيجيات المواجهة بين إسرائيل وإيران

جانب من الأحداث
جانب من الأحداث

في فجر يوم الجمعة 13 يونيو 2025، شنت إسرائيل هجمات مفاجئة على إيران في إطار ما أطلقت عليه عملية "الأسد الصاعد"، والتي شكلت تحولًا نوعيًا من نمط "حرب الظل" الذي كانت تعتمده تل أبيب سابقًا، والذي اتسم بعمليات سرية مثل التفجيرات والاغتيالات، إلى مواجهة عسكرية مباشرة وواسعة النطاق، تتجاوز من حيث الحجم والتأثير أي تصعيد شهده الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، وكان هو الأكثر مباشرة وتأثيراً على البنية التحتية النووية الإيرانية منذ هجوم "ستكسنت" الإلكتروني الذي عطل منظومات الطرد المركزي الإيرانية بمنشأة نطنز في عام 2010.

ووفقًا لدراسة أعدها مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، استهدف الهجوم مواقع حساسة، وأسفر عن مقتل عدد من القادة العسكريين أبرزهم قائد الحرس الثوري حسين سلامي، وقائد القوات المسلحة محمد باقري، ونائب رئيس الأركان غلام علي رشيد، وتسعة علماء نوويين من بينهم الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد مهدي طهران، على نحو وصفته إيران بـ "إعلان حرب".

وفي رد فعل سريع، شنت إيران فى نفس اليوم هجمات واسعة على إسرائيل، أطلقت عليه اسم "الوعد الصادق 3" لاستهداف مواقع عسكرية ومدنية في مختلف أنحاء إسرائيل، بما في ذلك تل أبيب، في محاولة واضحة من جانب طهران لإظهار قدرتها على الرد السريع والموجع، وخلق توازن أو على الأقل للحد من التفوق العسكري الإسرائيلي، وتوجيه رسالة واضحة مفادها "أنها لن تظل تحت تهديد الضربات المباشرة دون رد فعل قوي". وقد كان هذا الرد الإيراني مفاجئًا في قوته وسرعته حيث أحدث "تغييرًا جذريًا" في المزاج العام داخل إسرائيل، وخلق صدمة عميقة داخل المجتمع والنخبة السياسية والعسكرية على حد سواء. وقد تشير تلك العملية إلى بداية مرحلة جديدة من المواجهة العسكرية الأكثر تعقيدًا وطولًا بين إسرائيل وإيران، قد تتضمن تصعيدًا في الهجمات السيبرانية، والهجمات الجوية والبحرية، وحتى الدعم العسكري المباشر للميليشيات الإيرانية فى الشرق الأوسط.

ولا تزال إيران وإسرائيل تتبادلان الضربات الجوية والصاروخية، وسط توقعات باستمرارية التصعيد بين الدولتين لأيام أو ربما لأسابيع وسط ترقب دولي لمآلات الصراع المتسارع، ما ينذر بأن إيران وإسرائيل على حافة تصعيد شامل.

وفي ظل التصعيد الأخير بين إيران وإسرائيل، برزت العديد من التساؤلات حول ما إذا كان الهجوم الإسرائيلي على إيران مجرد رد فعل كان متوقعًا أم أنه جاء تحت عباءة "خداع استراتيجي" محكم. فالتحركات العسكرية والاستخباراتية للطرفين قبل الهجوم كانت تشير إلى توترات متزايدة، في وقت كانت فيه إيران تتقدم بشكل ملموس نحو مراحل متقدمة في برنامجها النووي. كما لوحظ تلاعب دقيق في الرسائل المتبادلة بين الطرفين، مما جعل من الصعب التنبؤ بالخطوة التالية. في هذا السياق، يمكن النظر أيضًا إلى الأسماء التي أُطلقت على العمليات العسكرية لكلا الطرفين باعتبارها محملة برسائل رمزية ودينية، تعكس أبعادًا أيديولوجية وثقافية تتجاوز المعركة العسكرية نفسها.

وقد شهدت الأسابيع التي سبقت الهجوم الإسرائيلي على إيران سلسلة من المؤشرات التصعيدية التي أوحت بأن المواجهة الكبرى باتت وشيكة، حيث تكشفت معلومات استخباراتية وتقارير إعلامية تفيد بأن إيران أجرت ما يُعرف بـ"الاختبار الداخلي"، وهي الخطوة الأخيرة نظريًا في مسار إنتاج قنبلة نووية. ووفق التقديرات الغربية، فإن طهران باتت تمتلك ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصناعة 9 إلى 10 قنابل نووية، إذا قررت المضي في التخصيب إلى الدرجة العسكرية. وفي الوقت الذي اعتبر فيه هذا التطور تحولًا نوعيًا في القدرات النووية الإيرانية، جاء إعلان إيران عن حيازتها لوثائق سرية تتعلق بالمنشآت النووية الإسرائيلية، ولوحت باستخدامها كورقة ضغط، ما قرأته إسرائيل بأنه محاولة لكسب الوقت، ورأت أن كل يوم تأخير في أي تحرك دولي يعني اقتراب إيران خطوة جديدة من إنتاج القنبلة.

رغم تزايد تلك المؤشرات التي كانت تنذر بقرب تنفيذ ضربة إسرائيلية ضد إيران، رأى البعض أن تل أبيب لجأت إلى ما يمكن وصفه بـ"خداع استراتيجي محكم"، تمثل في إرسال إشارات ورسائل مموهة هدفت إلى إرباك الحسابات الإيرانية وتشتيت تقديراتها الأمنية. فبينما كانت التوقعات تصب في اتجاه تصعيد وشيك، حرصت تل أبيب على إرسال رسائل لإيهام طهران بأن لا عملًا عسكريًا وشيكًا في الأفق. إذ ذكرت صحيفة "جيروزاليم بوست" أن إسرائيل تعمدت تصدير فكرة أن الاجتماع الوزاري الأمني يوم 12 يونيو2025 كان بهدف مناقشة موضوع الرهائن لدى حركة حماس، وهو الاجتماع الذي اتخذ فيه القرار بتوجيه ضربة لإيران في الساعات الأولى من صباح يوم 13 يونيو 2025 دونما إعلان عن ذلك. من بنود خطة الخداع الأخرى، إعلان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي عن زيارة سيقوم بها مدير الموساد ووزير الشئون الاستراتيجية في الحكومة الإسرائيلية للولايات المتحدة يوم 13 يونيو 2025 للحديث مع المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف حول جولة المحادثات السادسة بين الولايات المتحدة وإيران التي كانت مقرره يوم 15 يونيو2025 في مسقط. كما تعمد مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية رفض التعليق بالنفي أو بالإيجاب على التقارير الإخبارية التي قالت إن هناك خلافًا بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية حول توجيه ضربة لإيران وهو ما أوحى بأن هناك أزمة مكتومة في العلاقات الإسرائيلية-الأمريكية.

ويمكن القول إن تكتيكات الإخفاء والتمويه التي اتبعتها إسرائيل، والتي صادفها عنصر التوقيت الملائم بعد إعلان الولايات المتحدة أن مهلة الستين يومًا التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 12 من أبريل الماضي للتوصل للاتفاق مع إيران حول برنامجها النووي كانت قد انتهت، فكانت الضربة الإسرائيلية في اليوم الـ 61، أي في اليوم التالي على انتهاء المهلة الأمريكية، وذلك قبل إعلان فشل المفاوضات في وقت كان من المتوقع أن تستضيف عمان الجولة السادسة من المفاوضات يوم 15 يونيو الجاري. كل ذلك كان سببًا في مضاعفة الأثر الناتج عن العملية العسكرية الإسرائيلية ضد إيران فجر يوم الجمعة 13 يونيو 2025.

ما وراء الضربة الإسرائيلية

شكلت عملية "الأسد الصاعد" حدثًا بالغ الأهمية يحمل في طياته أبعادًا استراتيجية معقدة، فلم تقتصر الضربة على استهداف البنية التحتية النووية فحسب، بل شملت أيضًا تحركات استهدفت مراكز القيادة وصانعي القرار في النظام الإيراني، مما عكس تصعيدًا في التكتيكات العسكرية والاستخباراتية يشير إلى أن الهدف غير المعلن من تلك العملية هو إسقاط النظام نفسه وليس مجرد استهداف البرنامج النووي. كما تضاف إلى هذا المشهد الديناميكيات الدولية، لاسيما موقف الولايات المتحدة التى سعت إلى التزام الحذر والنأي بالنفس في هذه المواجهة، وهو ما يمكن قراءته على النحو التالي:

1- استهداف صانع القرار وليس المنشآت النووية فقط: شكلت العملية الإسرائيلية ضد إيران مثالًا حيًا على ما يعرف في الاستراتيجيات العسكرية والاستخباراتية بـ "استراتيجية قطع الرأس"، حيث تعدت نطاق تدمير المنشآت والمعدات لتستهدف قلب النظام الإيراني نفسه "مراكز القيادة والسيطرة". فلم يكن الهدف فقط إيقاف الأنشطة النووية الإيرانية أو تعطيل البنية التحتية العسكرية، بل كان ضربة قاسية استهدفت العقول الموجهة والقيادات التي تدير هذه البرامج الحيوية. وبحسب الرواية الإسرائيلية، شملت الضربة الأولى نحو 200 هدف داخل الأراضي الإيرانية، من بينها منشآت نووية ومواقع صاروخية، مما أسفر عن مقتل كبار القادة العسكريين والعلماء ذات التأثير في البرنامج النووي، ما يعكس عمق الصراع وأبعاده السياسية والعسكرية، فقد كانت تلك الضربة بمثابة رسالة واضحة من إسرائيل بأنها مستعدة للذهاب إلى أبعد الحدود لضمان تقويض أي تهديد محتمل ضدها، سواء كان نوويًا أو عسكريًا، كما كان أيضًا بمثابة محاولة لإحداث شعور بالشلل في النظام الإيراني، بحيث تكون تلك الهجمات من جانب لتعطيل برنامج طهران النووي بأكبر قدر وإطالة الوقت الذي تحتاجه لصنع سلاح نووي، ومن جانب آخر للتمهيد على المديين القريب والمتوسط لإسقاط النظام نفسه بتحريك الشارع الإيراني ضده.

2- "التركيز على "نطنز" و"فوردو": على الرغم من امتلاك إيران العديد من المنشآت النووية والتي تتوزع على أربعة فروع رئيسية وهي؛ مراكز للبحث، ومواقع خاصة للتخصيب، ومفاعلات نووية، ومناجم لليورانيوم، فإن منشأة نطنز والتي أسرعت إسرائيل في استهدافها أثناء الهجوم، تظل هي الأبرز والأكثر أهمية. فهي تشكل قلب المشروع النووي الإيراني، حيث تمثل مركزًا حيويًا لتخصيب اليورانيوم، وتعد بمثابة الركيزة الأساسية التي تقوم عليها الطموحات النووية الإيرانية، مما يجعلها هدفًا استراتيجيًا بالغ الأهمية في أي صراع متعلق بالبرنامج النووي الإيراني. لكن على الجانب الآخر، لا يزال أمام إسرائيل الكثير لتفعله إذا أرادت تفكيك المنشآت النووية الإيرانية، فربما من المستحيل تعطيل المواقع المحصنة جيدًا والمنتشرة في أنحاء إيران بصورة تامة.

فقد كشف الهجوم أن إسرائيل لم تستطع استهداف منشأة فوردو والتي تقع تحت الأرض في مدينة قم، والتي يُعتقد أنها المنشأة التي يمكن أن تزيد التخصيب من 60 إلى 90 في المائة لليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة. ومما يثير القلق بشكل خاص أنه في مارس 2023، جمعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عينات من فوردو وجدت يورانيوم مخصبًا بنسبة 83.7 في المائة؛ ومع ذلك، لم يتم تأكيد ذلك مطلقًا. ورغم خطورة ذلك بالنسبة لإسرائيل إلا أن فوردو تعد مثالًا حيًا على حدود القوة الجوية الإسرائيلية في مواجهة التحصينات الإيرانية بشكل كامل. فالهجوم القوي على فوردو يتطلب تكنولوجيا متقدمة للغاية أو دعمًا أمريكيًا مباشرًا، وهو ما لم يتوفر حتى الآن. وقد يشمل الدعم الأمريكي قنبلة GBU-57 الخارقة للتحصينات الضخمة، وهي قنبلة تزن 30 ألف رطل تحملها قاذفات B-2. قد تحاول إسرائيل تدمير المنشأة بجولات متعددة من أسلحة الحمولة الأصغر. لكن لا يضمن أي من هذين الخيارين إمكانية تدمير فوردو، الأمر الذي قد يتطلب ذخائر أقوى أو ضربات مستمرة. بالإضافة إلى ذلك، قد تلجأ إسرائيل إلى أساليب غير تقليدية لمحاولة القضاء على فوردو، مثل الهجمات الإلكترونية، أو وسائل تخريب أخرى، ما يكشف الحدود الفعلية للردع الإسرائيلي، ويخلق تحديًا مزدوجًا، فإسرائيل قد تُضعف القدرة النووية الإيرانية العلنية، ولكنها قد تفتح الطريق أمام طهران لتطوير برنامج نووي غير مرصود، ما يعقد أي جهود مستقبلية لاحتواء هذا التهديد.

3- تعطيل إدارة شبكة الوكلاء: يعكس استهداف حسين سلامي، قائد الحرس الثوري الإيراني في أول هجوم، رغبة إسرائيل في تقويض القيادة العليا للحرس الثوري الإيراني، وتحديدًا تلك الفئة المرتبطة بسياسة إيران العسكرية في الشرق الأوسط، فقد كان يُعتبر "عقل" العمليات العسكرية الإيرانية، وله دور محوري في إدارة سياسات إيران المتعلقة بالتحركات العسكرية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، حيث يأتي استهدافه في سياق سلسلة من العمليات الأمريكية–الإسرائيلية التي استهدفت أذرع إيران الإقليمية منذ 7 أكتوبر 2023.

من جانب آخر، استهدفت إسرائيل يوم 14 يونيو 2025 غرفة تنسيق العمليات بين الحوثيين وإيران، ومحاولة اغتيال عدد من قيادات الحوثيين، وذكرت صحيفة "هآرتس" أن القصف الإسرائيلي استهدف رئيس أركان قوات الحوثيين محمد عبد الكريم الغماري. فبعد تعطيل ساحات إيران في كل من سوريا ولبنان، بعد سقوط النظام السوري وتوجيه إسرائيل ضربات قاسمة لحزب الله، لم يتبقى أمام إسرائيل سوى الحوثيين والميليشيات الموالية لإيران في العراق، حيث تدرك تل أبيب أنهما ستتدخلان حال تطلب منهم الأمر التدخل. فقد قام الحوثيون بتنفيذ أكثر من 100 هجوم على سفن في البحر الأحمر منذ نوفمبر 2023، فيما يقولون إنه تضامن مع الفلسطينيين في الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة. وبالفعل لم تتأخر جماعة الحوثي كثيرًا عن إعلان دخولها على خط الصراع الحالي بين إيران وإسرائيل وأعلنت يوم 15 يونيو2025، أنها شنت هجمات على إسرائيل بالتنسيق مع طهران، وهي المرة الأولى التي تُعلن فيها جماعة متحالفة مع إيران عن مثل هذا التعاون في شن هجمات.

الولايات المتحدة تمارس دور المُراقِب

 من المعروف أن إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب منفتحة على شن مزيد من الهجمات على إيران أكثر من الإدارات السابقة، وبالطبع كانت لديها معرفة مسبقة بالعمليات ضد إيران، إلا أنها حرصت على عدم الظهور بأنها جزء من تلك الهجمات، وأصدر وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، بيانًا عقب الهجوم الإسرائيلي قال فيه: "اتخذت إسرائيل الليلة إجراءً أحادي الجانب ضد إيران. لسنا متورطين في ضربات ضد إيران، وأولويتنا القصوى هي حماية القوات الأمريكية في المنطقة. أبلغتنا إسرائيل بأنها تعتقد أن هذا الإجراء كان ضروريًا للدفاع عن نفسها. اتخذ الرئيس ترامب والإدارة جميع الخطوات اللازمة لحماية قواتنا، ويظلان على اتصال وثيق بشركائنا الإقليميين. دعوني أوضح: يجب ألا تستهدف إيران المصالح أو الأفراد الأمريكيين". وتُعزى هذه الاستراتيجية إلى عاملين مهمين؛ أبرزهما أن جزءًا رئيسيًا من القاعدة الشعبوية لترامب تصوره "صانع سلام" يسعى إلى إنهاء "الحروب والنزاعات الأبدية" في العالم، ولا يمكن أن يفعل ذلك بالانخراط في حرب مع إيران أو أي دولة أخرى، إلا إذا دُفع إلى ذلك مرغمًا، بما في ذلك مساعدة الحليفة الرئيسية إسرائيل إذا تعرضت لخطر وجودي. والثاني أنه أراد التوصل إلى "صفقة دبلوماسية" مع إيران للتخلص من برنامجيها النووي والصاروخي، ودورها المناوئ للمصالح الأمريكية والإسرائيلية في الشرق الأوسط وعبر العالم.

حدود الرد الإيراني

في خطوة تعكس سرعة التصرف وللحفاظ على استقرار النظام، قامت إيران بعد توجيه الضربات الأولى لها بتعيين قادة عسكريين جدد بسرعة فائقة، كما وجهت ضربات نحو إسرائيل سريعًا – وصلت إلى 14 موجة حتى كتابة هذه السطور - حتى مع استمرار الهجمات على أراضيها، بهدف إظهار قدرة النظام على الرد بحزم وعلى مستوى عالٍ من الفعالية. إلا أن السؤال الأبرز يظل مطروحًا وهو: إلى أي حد يمكن لإيران التصعيد؟، حيث أكدت القوات المسلحة الإيرانية، أنه "لا حدود" في الرد على إسرائيل، عقب الضربات الواسعة النطاق التي شنتها الدولة العبرية.

وفي محاولة لممارسة الضغط السياسي، لوحت إيران بإغلاق مضيق هرمز، الممر البحري الاستراتيجي الواقع بين أراضيها وعُمان، والذي يمر عبره نحو ربع تجارة النفط العالمية ويشكل أحد الشواغل الرئيسية ما يضفي عليه أهمية اقتصادية وجيوسياسية بالغة. لذا فأي محاولة إيرانية لإغلاقه ستكون بمثابة تعطيل حاد لحركة الملاحة البحرية الدولية، مما يترتب عليه صدمة كبيرة للاقتصاد العالمي، ولاسيما للدول الكبرى المستهلكة للطاقة. هذا بجانب التهديد بضرب القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط.

تُنذر تلك الإشارات الإيرانية بضرب "القواعد الأمريكية في المنطقة" وإغلاق "الممرات المائية"، بتصعيد خطير قد يفاقم الوضع الأمني في المنطقة، حيث تشير إلى أن قدرتها على التصعيد العسكري لا تقتصر على حدودها الجغرافية فحسب، بل تمتد لتطال المصالح الدولية الحيوية، بما في ذلك تلك المتعلقة بالاقتصاد العالمي. ومن خلال هذا التهديد، تسعى إيران إلى وضع المجتمع الدولي أمام خيار واحد هو الضغط من أجل تهدئة الوضع عبر حلول دبلوماسية تقضي بأن تذهب إيران في النهاية إلى مفاوضات بشأن برنامجها النووي ولكن ليس بنفس الشروط التي وضعها ترامب أمامها في المباحثات الأخيرة. وعكست تصريحات وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي يوم 15 يونيو 2025 هذه المقاربة بقوله أن "هذا الدفاع الإيراني هو رد على عدوان، إن توقف العدوان، بالطبع سيتوقف الرد الإيراني أيضًا"[3]، مضيفاً أن "النظام الإيراني ليس مستعداً للقبول بأي اتفاق يؤدي إلى حرمان إيران من الطاقة النووية"، وهي تراهن هنا على عزوف ترامب عن الحروب الخارجية وارتباطه بنهج "أمريكا أولًا"، إذ يعتقد القادة الإيرانيون أن الولايات المتحدة ليست مستعدة ولا راغبة في الدخول في صراع مكلف آخر بالمنطقة قد يعطل التجارة العالمية.

هنا، فإن ثمة سؤالاً يطرح نفسه: إلى متى سينجح الرهان الإيراني؟، فهل ستظل الولايات المتحدة متبعة السياسة نفسها حال تعرضت إسرائيل إلى تهديد يشكل خطر وجودي لها كما تزعم؟، وهل ستعمد إيران إلى توسيع نطاق الحرب الحالية بما يفرض على واشنطن الانخراط فيه؟.

ربما يمكن القول أخيراً أن الأيام القليلة المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مسار المواجهة، سواء بالتصعيد أو العودة إلى التهدئة، وسط ترقب دولي لمآلات الصراع المتصاعد.

تم نسخ الرابط