رجل أسرف على نفسه في الخطايا.. هل يغفر الله الذنوب لمن تاب؟

هل يغفر الله الذنوب لمن تاب؟، سؤال نوضح بيانه من خلال تفسير الآية 82 من سورة طه، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ».
هل يغفر الله الذنوب لمن تاب؟.. تفسير الآية 82 من سورة طه
يذكر القرطبي في تفسيره قوله تعالى: «وإني لغفار لمن تاب» أي من الشرك. «وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى» أي أقام على إيمانه حتى مات عليه؛ قاله سفيان الثوري وقتادة وغيرهما. وقال ابن عباس: أي لم يشك في إيمانه؛ ذكره الماوردي والمهدوي.
وقال سهل بن عبد الله التستري وابن عباس أيضا : أقام على السنة والجماعة ؛ ذكره الثعلبي. وقال أنس : أخذ بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر المهدوي ، وحكاه الماوردي عن الربيع بن أنس. وقول خامس : أصاب العمل ؛ قاله ابن زيد ؛ وعنه أيضا : تعلم العلم ليهتدي كيف يفعل ؛ ذكر الأول المهدوي ، والثاني الثعلبي . وقال الشعبي ومقاتل والكلبي: علم أن لذلك ثوابا وعليه عقابا ؛ وقاله الفراء : وقول ثامن : ثم اهتدى في ولاية أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ قاله ثابت البناني . والقول الأول أحسن هذه الأقوال - إن شاء الله - وإليه يرجع سائرها . قال وكيع عن سفيان : كنا نسمع في قوله - عز وجل - : وإني لغفار لمن تاب أي من الشرك وآمن أي بعد الشرك وعمل صالحا صلى وصام ثم اهتدى مات على ذلك .
هل يغفر الله الذنوب لمن تاب.. وكيف تكون التوبة نصوح؟
يقول الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: ليس عيبًا أن يخطئ المرء، ولكن العيب أن يستمرئ الخطأ ويستبيح المعصية. فإذا أبصر المرء عيبه وتاب إلى الله منه، قبل الله توبته ومحا خطيئته، كما قال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) [طه:82].
وتابع: لهذه الأهمية القصوى للتوبة، وتأكيدًا على فضل الله الواسع في قبول التائبين، أوردت لنا سنة النبي ﷺ بعض القصص المؤثرة في هذا الباب، منها قصة الكِفل، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: « كَانَ الْكِفْلُ مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ لاَ يَتَوَرَّعُ مِنْ ذَنْبٍ عَمِلَهُ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَأَعْطَاهَا سِتِّينَ دِينَارًا عَلَى أَنْ يَطَأَهَا، فَلَمَّا قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ أُرْعِدَتْ وَبَكَتْ. فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ أَأَكْرَهْتُكِ؟ قَالَتْ: لاَ، وَلَكِنَّهُ عَمَلٌ مَا عَمِلْتُهُ قَطُّ، وَمَا حَمَلَنِى عَلَيْهِ إِلاَّ الْحَاجَةُ. فَقَالَ: تَفْعَلِينَ أَنْتِ هَذَا، وَمَا فَعَلْتِهِ، اذْهَبِى، فَهِىَ لَكِ. وَقَالَ لاَ وَاللَّهِ لاَ أَعْصِى اللَّهَ بَعْدَهَا أَبَدًا. فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ، فَأَصْبَحَ مَكْتُوبًا عَلَى بَابِهِ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لِلْكِفْلِ ». [رواه الترمذي]
وأضاف: فهذا رجل أسرف على نفسه في الخطايا، ولم يكن يتورع عن ذنبٍ عمله، ثم أدركته رحمة الله وهو في سبيل ارتكاب فاحشةٍ عظيمة، وهي الزنا. فلما تاب، تاب الله عليه، ومنّ عليه بالفضل، وأكرمه بكرامةٍ ظاهرةٍ تشهد على صدق توبته، حيث مات من ليلته، فأصبح مكتوبًا على بابه: إن الله قد غفر للكِفل. وتعلّمنا هذه القصة أن الواجب على المسلم إن وقع في ذنبٍ أن يبادر إلى التوبة والندم، وأن يشتغل بالتكفير عنها بحسنةٍ تمحو أثرها.
وأشار إلى أن التوبة، فهي ندمٌ يورث عزيمةً وقصدًا ورجوعًا إلى الله، وطمعًا في رحمته. وكلما كان الندم أشد، كان أرجى في تكفير الذنوب. وعلامة صحة الندم: رقة القلب، والشفقة على الخلق، والتماس الأعذار للناس، وخاصةً الضعفاء وأصحاب الحاجة. وبهذا الندم، يصدق العزم في التوجّه إلى ترك هذا الذنب. فإن لم تساعده نفسه على ترك الذنب لغلبة الشهوة، فقد عجز عن أحد الواجبين المترتبين على الندم، فلا ينبغي له أن يترك الواجب الثاني، وهو أن يُدرأ السيئة بالحسنة فيمحوها. والحسنات المكفِّرة للسيئات تكون إما بالقلب، وإما باللسان، وإما بالجوارح:
فأما بالقلب: فبالتضرع إلى الله تعالي، وسؤال المغفرة والعفو، وأما باللسان: فبالاعتراف بظلم النفس مع الاستغفار، كأن يقول: " ربِّ ظلمتُ نفسي وعملتُ سوءًا فاغفر لي ذنوبي"، ويُكثر من صيغ الاستغفار. وأما بالجوارح: فبالطاعات، والصدقات، وأنواع العبادات.