عاجل

اختراق علمي يكشف سر "التوحد".. طفرة جينية تعيق تنظيف الدماغ

اضطراب التوحد
اضطراب التوحد

في اكتشاف علمي يبعث الأمل لملايين الأسر في التوحد حول العالم، أعلن فريق بحثي من جامعة "كوبه" اليابانية عن تحديد طفرة جينية خطيرة تُعدّ من العوامل المحورية وراء اضطرابات طيف التوحد، وذلك في دراسة وُصفت بأنها نقطة تحوّل في فهم طبيعة هذا الاضطراب المعقّد.

وبحسب الدراسة المنشورة في مجلة Cell Genomics خلال يونيو الجاري، فإن هذه الطفرة الجينية تُعطّل بشكل مباشر الآلية المسؤولة عن "تنظيف" الخلايا العصبية في الدماغ، ما يؤدي إلى تراكم الفضلات والمواد التالفة داخل هذه الخلايا، ويضعف قدرتها على أداء وظائفها بشكل سليم، خصوصًا ما يتعلق بالتواصل العصبي والتفاعل الاجتماعي.

كيف يؤثر الخلل الجيني في الدماغ؟

من خلال تحليل معمّق، تبيّن للعلماء أن هذا الخلل يُصيب نظامًا حيويًا يُعرف باسم "نظام الصيانة الخلوية"، وهو المسؤول عن التخلص من البروتينات والمواد غير المرغوب فيها داخل الخلايا العصبية، وعندما يتعطّل هذا النظام، تتراكم الشوائب داخل الخلايا، مما يُضعف مرونة الشبكات العصبية ويؤثر في نقل الإشارات الكهربائية، وهو ما قد يفسّر أعراض التوحّد المتعلقة بالصوت، والحركة، واللغة، والانتباه، والعواطف.

في المعمل: تجربة جينية غير مسبوقة

لاستكشاف هذا الخلل، استخدم الباحثون تقنية "CRISPR" الرائدة في تعديل الجينات، وقاموا بابتكار مكتبة ضخمة تضم 63 سلالة خلوية، كل منها يحمل طفرة جينية محددة تم ربطها سابقًا باضطرابات التوحّد.

وقد جرى اشتقاق هذه الخلايا من خلايا جذعية مأخوذة من أجنة فئران، ثم تم تحويلها إلى خلايا عصبية مشابهة لتلك الموجودة في الدماغ البشري، ما مكّن الباحثين من ملاحظة كيفية تأثر البنية العصبية والوظيفة السلوكية بتلك الطفرات.

وكانت المفاجأة أن العديد من هذه الطفرات أثرت على آلية التخلص من المكونات التالفة داخل الخلية العصبية، ما تسبّب في اضطراب الشبكات العصبية الدقيقة، خاصة تلك المسؤولة عن اللغة، والانتباه، والاستجابة للمحفزات.

نتائج تتعدى حدود التوحد

اللافت في نتائج الدراسة أن بعض الطفرات لم تكن حكرًا على اضطراب التوحد، بل ظهرت أيضًا في حالات الفصام، والاضطراب ثنائي القطب، واضطرابات المزاج، ما يعزز من أهمية هذا الاكتشاف في فهم طيف أوسع من الأمراض العصبية والنفسية.

وقد أشار الفريق إلى أن هذا الاختراق العلمي يمكن أن يمهد لتطوير علاجات دوائية دقيقة موجهة نحو الأسباب الجينية لكل حالة على حدة، في إطار ما يُعرف بـ"الطب الشخصي"، الذي يقوم على تصميم العلاج وفقًا للبصمة الوراثية لكل مريض.

ارتفاع معدلات تشخيص التوحد عالميًا

تأتي هذه النتائج في وقت تشهد فيه معدلات تشخيص اضطراب التوحّد ارتفاعًا كبيرًا. ففي المملكة المتحدة مثلًا، سجّلت الإحصاءات زيادة مذهلة وصلت إلى 787% بين عامي 1998 و2019، بينما ينتظر حاليًا أكثر من 200 ألف شخص تقييمًا رسميًا لحالتهم ضمن النظام الصحي البريطاني.

كما أشارت تقارير دولية إلى أن نسبة الإصابة بالتوحّد عالميًا ارتفعت من 1 في كل 150 طفلًا قبل عقدين إلى حوالي 1 في كل 36 طفلًا حاليًا، وهو ما يفرض ضغوطًا مضاعفة على النظم الصحية والتعليمية والاجتماعية في مختلف الدول.

 هل التوحد مرض يجب علاجه؟

ورغم الحماسة التي استقبل بها المجتمع العلمي هذا الكشف، إلا أن العديد من الأصوات داخل مجتمع التوحّد –وخاصة من البالغين المصابين– تُعبّر عن تحفظها تجاه فكرة "علاج التوحّد"، وتؤكد أن التوحّد ليس مرضًا بالمعنى التقليدي، بل هو اختلاف عصبي طبيعي يتطلب قبولًا اجتماعيًا وتكييفًا بيئيًا أكثر من كونه حالة تحتاج إلى تدخل طبي.

ويرى المدافعون عن هذا الطرح أن تركيز الجهود يجب أن يتجه نحو تعزيز الدمج، وتوفير الدعم، وكسر الصور النمطية السلبية، بدلاً من اعتبار التوحّد مشكلة ينبغي "إصلاحها". الطفرة الجينية المكتشفة تعيق تنظيف الدماغ من الفضلات، ما يُضعف التواصل العصبي ويُسبب أعراض التوحد.

تم نسخ الرابط