عاجل
الدكتور محمد المهدي
الدكتور محمد المهدي

مجرد الامتناع عن الطعام والشراب، وهو ما اصطلح عليه بلفظ الإمساك؛ يؤدي إلى انخفاض السكر في الدم وانخفاض السوائل وانخفاض الكثير من العناصر الغذائية، وهذا يترجم بيولوجيًا على أنه خطر مجاعة وجفاف يواجهان الجسم، وذلك يحفز إفراز هورمونات الخطر (الأدرينالين والكورتيزول) مع ما يصاحبهما من مشاعر التوتر والحزن، وهنا يستنفر الجسد لكي يواجه هذا النقص ويحتفظ الإنسان بحالة التوازن الفسيولوجية Homeostasis.

ويتم أيضًا استثارة اللوزتين في المخ Amygdala، وهما بمثابة أجهزة الإنذار لينبها الجسد بأن ثمة خطر محدق به، ويبدأ المخ بإعلان حالة الطوارئ وتحفيز أجهزة مختلفة تقوم بتعويض ما نقص من مواد مهمة للجسم، أو دعم أجهزة الجسم كي تتحمل هذا النقص، وفي نفس الوقت يبدأ الجسم في إفراز هورمون الإندورفين (الأفيون الداخلي) كي يعطي إحساسًا إيجابيًا ليلطف على الجسد مشاعر الأزمة، وهنا تحدث حالة ارتياح نسبية مع الصيام.

معنى إيماني وروحي للصوم

فإذا كان الإنسان لديه معنى إيمانيًا وروحيًا للصوم فإن ذلك يؤدي إلى تخفيف مشاعر التهديد والخطر، بل ويصبح ثمة غذاء روحي بديل، وثمة شعور بالرضا على أداء العبادة، وشعور جميل بالتواصل مع الله، واستبشار بالجزاء العظيم منه سبحانه وتعالى، وهنا يبدأ المخ في إفراز هرمون المكافأة والمتعة وهو الـDopamine، ومن هنا يأتي الشعور بالسعادة والسكينة والطمأنينة التي يعرفها الصائمون الذين يصومون إيمانًا واحتسابًا، أي أنهم يمرون بخبرة الصيام (الإمساك عن الطعام والشراب) انطلاقًا من الإيمان بالله وبتشريعه للعبادات ومنها الصيام، ويحتسبون ذلك عند الله، أي ينتظرون الجزاء (المكافأة من الله)، وهنا يكتمل أثر الصوم وتتوالى عطاياه وبركاته النفسية والروحية.

وهذا يعكس لنا السر في منطوق الأحاديث: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"، "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"، حيث جعلت إيمانًا واحتسابًا شرطان في الصيام لكي ينال الصائم مبتغاه، وعلى العكس؛ إذا لم يكن الإمساك عن الطعام  والشراب ليس إيمانًا واحتسابًا لم يشعر الصائم بفوائد الصوم، بل ربما شعر بالقلق والتوتر والضيق والضجر وسرعة الاستثارة، وهذا يفسر لنا المشاعر المختلفة لدى كل شخص بناء على المستوى الذي وصل إليه في الصيام، ويجعلنا نفهم مستويات الصيام التي تحدث عنها بعض العلماء، وهي صيام  العوام (الامتناع عن الطعام والشراب والجنس)، وصيام الخواص (الامتناع عما سبق إضافة إلى امتناع الجوارح عن المعاصي)، وصيام خواص الخواص (الامتناع عما سبق إضافة إلى نقاء القلب من خواطر السوء وارتقائه إلى السمو الروحي).

تم نسخ الرابط