عاجل

لقاء افتراضي 

اللقاء تحت ظلال التاريخ  

في صباحٍ هادئ نسيمه عليل 

وفي بقعة ظلها ظليل

بحديقة الأزهر حيث ينساب أريج الياسمين 

بين أشجار نخيل باسقات أصلها ثابت

 و فرعها في السماء ولها طلع نضيد 

التقى طبيب القلب الدكتور جمال شعبان بفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر. 

كان اللقاء لقاءَ روحين تلتقيان على قيم التواضع وحب الإنسانية. 

بدأ الحوار بكلمات ترحيب دافئة من الإمام الطيب، 

الذي بدا عليه الإعياء الخفيف بعد وعكة صحية خفيفة كانت قد ألمت به و تعافى منها حديثًا ، 

لكنّ ابتسامته الوادعة المشرقة لم تغرب لحظة عن صفحة محياه الرائق الصافي

ذلك الإمام الذي نراه معظم الوقت صامتا فإذا نطق بذ الناطقين وأفحم المجادلين وفند دعاوي المتشدقين بتجديد الخطاب الديني  

شعبان 

حدثني يا إمام عن ذكرياتك في فرنسا وإقامتك في بيت فرنسي يجل الفضيلة و يحترم الإيمان

الإمام

تعيدني يا د جمال قرابة نصف قرن إلي الوراء 

إلي فترة دراستي في جامعة السوربون بباريس عام 1977. 

ثم روَى الإمام بحنين ونوستالجيا كيف سكن في بيت عائلة فرنسية بسيطة:  

"كانوا يُسمونني ’المصري المحافظ علي الصلاة ‘! 

رغم اختلاف دينهم، حرصوا على تخصيص غرفة لي لأداء الصلوات، واحترموا حجاب زوجتي دون تذمر. ذات مرة، رأيتُ سيدة العائلة تمسح دموعها حين سمعت تلاوتي للقرآن. سألتها: ’أتفهمين الكلمات؟‘ فأجابت: ’لا.. لكنني أشعر أنها تنبع من قلبٍ نقيٍّ‘." .

سألوني عن غض البصر ولماذا أنكس رأسي في الأرض أجبت

"ليس تكبرًا، بل محض احترامٍ ٍللمرأة.؟".

أنكس رأسي أبحث عن نور الله في الأرض‘" 

 غض البصر يا دكتور فضيلة تبني كيان الثقة

شعبان  

ماذا عن القرنة والبر الغربي في الأقصر ألفيتك يا إمام دائم دائب المقام هناك  

يا إمام يبدو أنه حبٌ لا يتبدد وقصة من عشق تحيا إلي الأبد ؟!

 أضاءت عينا الإمام:  

وقال "هناك حيث النيل يُلامس الصحراء، تعلّمتُ أن الخير كالماء يجري من الأعالي إلى السفوح. أهلها علموني أن التواضع ليس فضيلة بل ضرورة. حتى بعد أن منحني ملك الأردن وسام الاستقلال

ظلّ قلبي هناك بين حقول القصب وبسمات البسطاء" . 

د. شعبان 

ماذا تري يا إمام في منشوراتي عن ،،متلازمة القلب المنكسر" التي تُصيب الإنسان بعد الصدمات العاطفية

ومقولتي 

"القلب ليس مضخةً فحسب، بل مرآة المشاعر. التوتر يُطلق هرموناتٍ تحدث تقلصا في الشرايين وشللا وانكسار وترهلا في عضلة القلب!" والقلب يعتبر المخ الطرفي حيث يحتوي علي قرابة أربعين ألف خلية عصبية كاملة النضج والنمو والتكوين بمثابة مخ صغير داخل القلب  

فأردف الإمام:  

"صدقت! يا د جمال 

في الطب والقرآن، القلب مركز الإدراك.

( إنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور )

 لذلك أمرنا الله بذكرِهِ طمأنينةً له:  

 ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾.  

الدعاء يرد البلاء ولو بعد حين" وذكر الله يواسي القلوب الخافقة ويهدهد الجوانح المرتبكة 

شعبان 

لك بصمة يا إمام في قلوب كل المصريين ولا سيما قلوب الأطفال ومؤسسة مصر الخير نيل جديد للعطاء يرعي قلوب الأطفال بفضل فضيلتك يا إمام

 ولقد لمست بنفسي شلال العطاء الذي ساهم في رتق فتق لفيف عظيم من قلوب موجوعة معطوبة

  من أطفال مصر

  إبان عمادتي لمعهد القلب القومي

الإمام 

مؤسسة مصر الخير هي نيل آخر للعطاء تنبع من قلوب المصريين لتواسي قلوب المصريين فهي منهم وإليهم وأنا مجرد همزة وصل بين القلوب 

ثم قال الإمام "رأيتُ طفلةً ذات صباح 

كانت زرقاءَ الشفتين ممتقعة الوجه لاهثة الأنفاس ضامرة البنيان

من نقص الأكسجين.. بعد جراحة القلب، صارت تلعب كالعصافير! هذا هو الإيمان الحقيقي: 

أن تعيد للقلب نبض الحياة."  

د. شعبان:  

"هذه المؤسسات تُحقق معجزاتٍ يوميةً، كتلك التي قام بها أطباء الأزهر حين أعادوا يد شابٍ مبتورةً في 12 ساعة!" .

 شعبان حدثني عن علاقتك بالبابا تاوضروس ثمة جسور ممتدة أم جدران ؟

أجاب الإمام:  

 "نلتقي كأخَوَين. الحوار بين الأديان ليس ترفًا بل ضرورةً للعيش المشترك. أما تجديد الخطاب الديني فيبدأ بفهم روح العصر دون تفريط في الثوابت. الشباب يحتاجون لغةً تُخاطب عقولَهم وقلوبَهم معًا" . 

شعبان 

يا إمام لقد مس شغاف قلبي نعيك لخالد عبد العال وجاءت كلماتك بلسمًا حانيا واسي جراحات ابنه وأهله ونبراسا هاديا يبدد دياجير الشباب الحائر المفتقد للقدوة الباحث عن القناديل في درب الحياة المعاصرة المدجج بالوعثاء المحفوف بالوجع واللأواء

الإمام :

أنا لست في شرنقة صوفية ولا صومعة تعبدية أنا أستشعر نبض الشارع وأشرب من المعين ذاته الذي يشرب منه أكثرية الدهماء المشروب الشعبي الأكثر انتشارا الآن : الدموع 

عند المغيب، أمسك الإمام 

بيد د. شعبان وقال:  

"هذه الحديقة تذكرني بحدائق قرية القرنة.. هنا يُبنى الإنسان، كما تُبنى الزهور.

القلب السليم ليس خاليًا من الأمراض، بل عامرًا بحب الخير للبشر".  

فأردف شعبان :  

"أجل! القلب الذي يعرف الله، لا ينكسر أبدًا". لقد تلقيت درسا تاريخيا في الحديقة بين يدي الإمام

وتبادلا وعدًا بلقاءٍ جديدٍ تحت شجرة الزيتون، حيث يستمر الحوار بين العلم والإيمان

تم نسخ الرابط