عاجل

يو إس إس توماس هودنر.. الذراع الصاروخية الذكية في الأسطول الأمريكي

 المدمرة الأمريكية
المدمرة الأمريكية "يو إس إس توماس هودنر"

في عالم تتقاطع فيه المصالح الدولية على سطح البحار، وتتسارع فيه التهديدات عبر المحيطات، تبرز قطع بحرية معينة بوصفها مزيجًا من التقنية الفائقة والرمزية السياسية والجاهزية القتالية، واحدة من أبرز هذه القطع هي المدمرة الأمريكية "يو إس إس توماس هودنر"، التي تمثل اليوم أحد الأعمدة الحيوية في استراتيجية الردع البحري للأسطول الأمريكي، وأداة تنفيذ متقدمة للعمليات البحرية المشتركة عالميًا.

تخليد لبطولة نادرة

تحمل المدمرة اسم "توماس جيروم هودنر"، وهو ضابط أمريكي نال وسام الشرف، أرفع وسام عسكري أمريكي، خلال الحرب الكورية، بعد أن قام بعمل بطولي تمثل في محاولته إنقاذ زميله الطيار الأسود "جيسي براون"، أول طيار أمريكي من أصل أفريقي يخدم في البحرية الأمريكية. في تلك الحادثة التي وقعت عام 1950، هبط هودنر عمدًا بطائرته على جبل جليدي في كوريا الشمالية في محاولة فدائية لإنقاذ رفيقه العالق، في مشهد تحول لاحقًا إلى رمز في تاريخ البحرية الأمريكية.

اختارت البحرية الأمريكية أن تخلّد هذا الموقف بإطلاق اسم "توماس هودنر" على واحدة من أحدث مدمراتها الصاروخية، تأكيدًا على قيم التضحية، والرفاقية، والشجاعة التي تُعدّ حجر الأساس في العقيدة العسكرية الأمريكية.

بنية قوية وتقنية فتاكة

المدمرة "توماس هودنر" تنتمي إلى فئة Arleigh Burke الشهيرة، وهي واحدة من أكثر فئات المدمرات تطورًا وانتشارًا ضمن البحرية الأمريكية، وتحديدًا، فهي جزء من الجيل Flight IIA من هذه الفئة، الذي يتميز بإدماج تقنيات متقدمة في مجالات الرصد، التوجيه الصاروخي، والحرب الإلكترونية.

تتميز السفينة بقدرتها على تنفيذ مهام متعددة، من بينها الحرب المضادة للطائرات، والحرب المضادة للغواصات، والحرب السطحية، إلى جانب قدرتها على دعم العمليات الخاصة، وتنفيذ الضربات الدقيقة باستخدام صواريخ توماهوك المجنحة.

وتعتمد "توماس هودنر" على منظومة Aegis الدفاعية التي تُعدّ من أعقد نظم الرصد والتتبع الصاروخي في العالم، وتُمكّن السفينة من التعامل مع التهديدات الجوية والبحرية في آنٍ واحد، حتى في البيئات العملياتية المعقدة.

فريق القيادة 

القائد الفعلي للمدمرة هو كولونيل Cameron Ingram، في حين تم تعيين الضابط التنفيذي CDR Josh Womack في مارس 2025، وهو خريج أكاديمية البحرية الأمريكية عام 2009 وقد خدم في مناصب مضادة للغواصات والمعلومات القتالية.

من الفكرة إلى البحر

جرى التعاقد على بناء المدمّرة في عام 2012، ضمن خطة توسعة الأسطول الأمريكي، وتم وضع هيكلها الأساسي عام 2015 في حوض بناء السفن "باث شيب يارد" بولاية ماين، وبعد سلسلة من مراحل البناء والتجهيز والاختبارات، جرى تدشينها رسميًا في الأول من ديسمبر عام 2018، في حفل كبير بمدينة بوسطن حضرته أرملة الكابتن هودنر، وعدد من القادة العسكريين، وأفراد من عائلة الطيار جيسي براون.

وخلال حفل التعميد، تم تسليط الضوء على القيم الرمزية التي تحملها هذه السفينة، وعلى الأدوار المنتظرة منها في ساحة بحرية شديدة الاضطراب.

المواصفات والمزايا القتالية

الفئة: Arleigh Burke-class / DDG‑51 (Flight IIA TI variant) 

الإزاحة: نحو 9,217 طن

السرعة: تفوق 30 عقدة

التسليح: مزودة بنظام Aegis، وقدرات متقدمة في الدفاع الجوي والصاروخي؛ قادرة على تنفيذ مهام متعددة تشمل الحرب السطحية والغواصات 

جاهزية ميدانية وانتشار عالمي

منذ دخولها الخدمة الفعلية، شاركت المدمرة "توماس هودنر" في عدة عمليات ونشاطات بحرية، سواء ضمن الأسطول السادس في أوروبا، أو الأسطول الرابع في أمريكا الجنوبية والكاريبي، أو ضمن قوات الانتشار السريع في الشرق الأوسط.

في عام 2023، انضمت السفينة إلى مجموعة الهجوم التابعة لحاملة الطائرات "يو إس إس جيرالد فورد"، وساهمت في تأمين خطوط الإمداد البحري في البحر الأبيض المتوسط، خاصة خلال توترات أمنية قرب الساحل الشرقي للبحر، وفي ظل تصاعد المخاوف من عمليات تهريب السلاح، وتحركات بحرية معادية.

وفي أوائل عام 2024، تمركزت "توماس هودنر" ضمن منطقة عمليات الأسطول الرابع، حيث نفذت مناورات بحرية مشتركة مع قوات بحرية من البرازيل، وكولومبيا، والدومينيكان، وذلك في إطار جهود واشنطن لتعزيز وجودها في نصف الكرة الغربي، والحدّ من تغلغل أطراف دولية منافسة.

أدوار متقدمة في الشرق الأوسط

لم تكن "توماس هودنر" بعيدة عن الأحداث الجارية في منطقة الخليج العربي وبحر العرب، فمع تصاعد التوترات الإقليمية في 2023، رُصدت المدمرة قرب مضيق باب المندب وخليج عمان، حيث ساهمت في عمليات الحراسة البحرية، والردع الصاروخي، والتنسيق مع القوات الفرنسية والبريطانية.

في إحدى المهمات، أشرفت على عمليات إنزال ميدانية، ومناورات بالذخيرة الحية، واختبارات لمنظومة الدفاع الصاروخي في ظروف حقيقية، وسط بيئة بحرية معقدة ومشحونة بالتحديات.

 

قوة ناعمة من قلب البحر

بعيدا عن سلاحها الثقيل وقدراتها القتالية، تلعب "توماس هودنر" دورًا في القوة الناعمة للولايات المتحدة، من خلال مشاركتها في المهام الإنسانية، وفتح أبوابها للزوار في موانئ الدول الحليفة، والمشاركة في عروض بحرية تؤكد على الشراكة الأمريكية مع تلك الدول.

كما تمثل السفينة أداة سياسية في بعض الأحيان، عبر توجيه رسائل استراتيجية بتمركزها في نقاط ساخنة، خاصة خلال الأزمات، أو عند الرغبة في إبراز الردع الأمريكي في وجه أي تصعيد.

سلاح واحد.. مهمات متعددة

تجسّد "يو إس إس توماس هودنر" فلسفة البحرية الأمريكية الحديثة التي تمزج بين التكنولوجيا المتقدمة، والجاهزية الميدانية، والقوة الرمزية. فهي ليست فقط مدمّرة صاروخية متطورة، بل أيضًا سفيرة بحرية لقيم التضحية والشجاعة، وذراع صلب في مواجهة التهديدات المتحولة عبر البحار.

ومع استمرار الاضطرابات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، وتوسّع رقعة النفوذ البحري الصيني والروسي، من المرجح أن تبقى "توماس هودنر" في صدارة عمليات الانتشار الأمريكية، وأن تواصل لعب أدوار حيوية في رسم توازنات القوى فوق سطح الماء.

عنصر محوري في أمن البحار

تحولت USS Thomas Hudner (DDG‑116) إلى منطلق مؤثر في تعزيز الردع البحري وتوسيع التعاون مع الحلفاء، من شرق المتوسط إلى شواطئ أمريكا اللاتينية، وفي فترة العشرينيات، ستظل هذه المدمرة رمزًا للقوة المتقدمة، تقدّم عنصرًا حاسمًا من عناصر «التواجد البحري الأمريكي الأول» في العالم.

تم نسخ الرابط