كيف تحدث القرآن الكريم عن حب الوطن؟.. واعظة بالأوقاف تكشف مفاجأة |خاص

أكدت الدكتورة وفاء عبدالسلام الواعظة بوزارة الأوقاف، أن أغلى ما يملك المرء الدين والوطن، وما من إنسان إلا ويعتز بوطنه؛ لأنه مهد صباه ومدرج خطاه ومرتع طفولته، وملجأ كهولته، ومنبع ذكرياته، وموطن آبائه وأجداده، ومأوى أبنائه وأحفاده، حتى الحيوانات لا ترضى بغير وطنها بديلاً.
حب الوطن في القرآن
وقالت واعظة الأوقاف: من أجل الوطن نضحي بكل غالٍ ونفيس، والطيور تعيش في عشها في سعادة ولا ترضى بغيره ولو كان من حرير، والسمك يقطع آلاف الأميال متنقلاً عبر البحار والمحيطات ثم يعود إلى وطنه، بل إن بعض المخلوقات إذا تم نقلها عن موطنها الأصلي فإنها تموت، فالكل يحب وطنه، فإذا كانت هذه سنة الله في المخلوقات فقد جعلها الله في فطرة الإنسان.
وأوضحت الدكتورة وفاء عبدالسلام أن من الحقوق والواجبات الاجتماعية في الإسلام والتي غرسها في فطرة الإنسان حقوق الوطن والأرض التي يعيش فيها ويأكل من خيرها، ويعبد الله تحت سماها، وأول هذه الحقوق الحب الصادق لهذا الوطن، لقد وقف النبي صلى الله عليه وسلم يُخاطب مكة المكرمة مودعًاً لها قائلا : «ما أطيبكِ من بلد، وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أن قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيركِ» ، ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم (الجحفة) في طريقه إلى المدينة اشتد شوقه إلى مكة، فأنزل الله عليه قوله تعالى:{إنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ}، أي لرادك إلى مكة.
وعن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت أن النبي ﷺ كان يقول في الرقية:«بسمِ اللهِ تُربةُ أرضِنا بريقةِ بعضِنا يُشفى سقيمُنا بإذنِ ربِّنا»
تابعت: وحقا فإن الشفاء والدواء في شم المحبوب أو لقاء المحبِّ محبوبَه أو أثرًا من آثاره؛ ألم يُشفَ سيدنا يعقوبُ ويعود إليه بصره عندما ألقَوْا عليه قميصَ سيدنا يوسفَ؟!وعندما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، استوطنها وألفها، بل كان يدعو الله أن يرزقه حبها : «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد» ومثلما دعا بحبها فقد دعا لها بالبركة : «اللهم بارك لنا في تمرنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا وبارك لنا في مدنا، اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك، وإني عبدك ونبيك وإنه دعاك لمكة، وأنا أدعوك للمدينة بمثل ما دعا لمكة، ومثله معه».
وأوضحت الدكتورة وفاء عبدالسلام أن حب الأرض اقترن في القرآن الكريم بحب النفس، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ}، واقترن في موضع آخر بالدين: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} كل هذا يدل على تأثير الأرض، وعلى أن طبيعة الإنسان التي طبعه الله عليها حب الوطن والديار.
ولفتت إلى أن ارتباط الإنسان بوطنه وبلده، مسألة متأصلة في النفس، فهو مسقط الرأس، ومستقر الحياة، ومكان العبادة، ومحل المال والعرض، ومكان الشرف، على أرضه يحيا، ويعبد ربه، ومن خيراته يعيش، ومن مائه يرتوي، به يعرف، وعنه يدافع، والوطن نعمة من الله على الفرد والمجتمع، ومحبة الوطن طبيعة طبع الله النفوس عليها.
تابعت: وهاهو سيدنا بلال الذي كان يهتف في دار الهجرة بالحنين إلى مكة فيقول :
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
بواد وحولي أذخر وجليل
وهل أردن يومًا مياه مجنة
وهل يبدون لي شامة وطفيل
وقالت واعظة الأوقاف: إن المسلم الحقيقي يكون وفيًا أعظم ما يكون الوفاء لوطنه، محبًا أشد ما يكون الحب لوطنه، مستعدًا للتضحية دائمًا في سبيل وطنه بنفسه ونفيسه، وبالرخيص والغالي، فحبه لوطنه، حب طبيعي مفطور عليه، حب أجل وأسمى من أن ترتقي إليه شبهة أو شك، حب تدعو إليه الفطرة، وترحب به العقيدة وتؤيده السنة، وتجمع عليه خيار الأمة. فيا له من حب.
وأوضحت أن المواطَنة الحقة قيم ومبادئ وإحساس ونصيحة وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وعزة و موالاة وتضحية وإيثار والتزام أخلاقي للفرد والأمة، إنها شعور بالشوق الدائم إلى الوطن حتى ولو لم نتركه، ولقد حرص الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال تربيته للصحابة رضي الله عنهم على التمسك والارتباط الوثيق بدينهم أولا، ثم الارتباط الشديد بأوطانهم، بل وغرس ﷺ في نفوس المسلمين أجمعين قيمة الانتماء للوطن والاعتزاز به والدفاع عنه.
وقد بالغ الرسول ﷺ في الاهتمام بهذه القيمة الحضارية حتى إنه جعل حب الأوطان فريضة إسلامية لا يجوز لمسلم التخلي عنها.
ولفتت الواعظة بالأوقاف إلى أنه لم يكن رسول الله ﷺ بحثه للمسلمين على التضحية بالنفس من أجل الوطن مسترخصاً للنفس البشرية، فقد كان يعرف قيمة النفس البشرية، وهناك العديد من توجيهاته ﷺ تحذر من التعدي على النفس بالأذى وتعده جريمة من أكبر الجرائم، وكبيرة من أكبر الكبائر، فالنفس في الإسلام مصونة، والدماء محرمة.. ومع ذلك فإن حفظ النفس رغم قداسته وظهور أمر حرمته إذا تعارض مع حب الوطن والدفاع عنه، فإن على الإنسان أن يبذل نفسه رخيصة في سبيل الله والدفاع عن وطنه، وهذا المعنى واضح في قول الحق سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[ التوبة: 111].
واختتمت الدكتورة وفاء عبدالسلام حديثها قائلة: «هيا بنا نبدأ تطبيقًا عمليًا لسنة النبي ﷺ في حب الوطن وأن نجيد للوطن الانتماء وأن نحسن له الولاء، وأن نغار على أرضنا، وأن نحافظ على وحدة الوطن، وأن نحمي نسيجه القوي المتين من أعداء النفس والدين والوطن».