عاجل

عندما سافر أبن اخي إلى شتوتجارت بألمانيا لحضور دورة تدريبية جامعية في الهندسة، كانت المخاوف العائلية العادية من عدم قدرته على الاندماج وكيف سيبقى وحيداً وتجربة الغربة الأولى.. ولكن المثير في الأمر أنه لم يمكث أكثر من 3 اسابيع ليجد نفسه مطلوب في عمل تبع أحد الشركات الألمانية في فرصة عمل مؤقتة لكونه طالب في السنة النهائية .. بل دعته الشركة للعودة لمصر لانهاء السنة الأخيرة في دراسته والعودة إلى شتوتجارت للعمل معها بعقد دائم..

الطلب على العمالة المصرية الماهرة في القارة الأوروبية أصبح ظاهرة تثير التعجب والعديد من الأسئلة.. بارتداء نظارة "إيجابية" فإن تطور التعليم الجامعي في مصر وخاصة في القطاع الخاص وارتفاع الطلب على تعلم التكنولوجيا والهندسة والمواد التطبيقية يدفع الشركات في الخارج لاستقطاب الشباب المصري الذي يتمتع بتعليم أفضل نسبياً من نظرائه من بلدان الشرق الأوسط وعدد من بلدان آسيا..

بالتوازي، فإن ارتفاع عدد الشباب المصري الاكثر تعليماً جاء في وقت تعاني فيه البلدان الأوروبية واستراليا وكندا من نقص العمالة واحتياج الاقتصاد إلى أعداد كبيرة من العمالة الماهرة وبالتوازي، فإن بدء مرحلة الانكماش السكاني في الهند وجنوب شرق آسيا خفض من حجم العرض من الشباب القادمين من هذه البلدان..

إنها فرصة "ذهبية" للشباب المصري في إيجاد مكان في سوق العمل العالمي، والأرقام شبه الرسمية تدلل على زيادة أعداد الشباب المصري الذي وجد له مكاناً في بلدان العالم، حيث كان عدد المصريين في الخارج عام 2013 يبلغ نحو 7 ملايين ووصل في 2024 إلى 14 مليون بحسب تصريحات وزيرة الهجرة وشؤون المصرين في الخارج السابقة سها ناشد جندي.
هذا الطلب المرتفع على الشباب المتعلم يرتد إيجاباً على الاقتصاد المصري، من حيث تراجع نسبة البطالة إلى نحو 6.4% وارتفاع حجم تحويلات المصريين من الخارج، حيث  كشفت بيانات رسمية عن قفزة تاريخية غير مسبوقة في تحويلات المصريين العاملين بالخارج، لتسجل نحو 26.4 مليار دولار خلال الفترة من يوليو 2024 وحتى نهاية مارس 2025. لترتفع بنسبة 82.7% على أساس سنوي، مقابل 14.4 مليار دولار خلال نفس الفترة قبل عام، كما ارتفعت التحويلات خلال مارس 2025، لتصل إلى نحو 3.4 مليارات دولار، بنمو 63.7% على أساس سنوي

تأثيرات خروج أعداد كبيرة من الشباب المصري للخارج كانت محل نقاش مجتمعي خلال الأشهر الماضية مع الحديث عن هجرة الأطباء إلى الخارج. فبحسب وزارة الصحة المصرية فأن أكثر من 60% من الأطباء المصريين باتوا يعملون بالخارج، كما تتزايد أعداد الأطباء الذين يتقدمون باستقالاتهم من وزارة الصحة سنوياً بغرض السفر، إذ يسافر أغلب الأطباء للعمل في دول الخليج وبريطانيا وألمانيا وأمريكا، بل أنه وفقا لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) فإن الأطباء المصريين يحتلون المركز الثالث في عدد الأطباء الأجانب العاملين بالنظام الوطني الصحي في المملكة المتحدة ويبلغ عددهم نحو 4 آلاف طبيب.

خروج الأطباء المصريين إلى أوروبا والخليج هو بمثابة شهادة "ثقة" في التعليم الطبي والمدرسة الطبية المصرية، ولكن البعض يسعى إلى الحديث عن المخاطر وعدم أداء هؤلاء الشباب لواجباتهم تجاه الوطن.. خطاب اعتبره من مواريث الحقبة الناصرية،  وخطاب يتعامل مع المواطن باعتباره "جندي في معركة" وليس شخص له مصالحه الخاصة يجب على الدولة أن تستفيد وتوازن بين مصالح أفرادها الخاصة والمصلحة العامة وليس فرض قيود على الحريات الخاصة بالسفر والعمل وتقييد طموح أفرادها وخاصة الشباب.

تعجبي من خطاب تقييد سفر الأطباء الشباب للخارج سببه أن مصر تمر بمرحلة ديموجرافية استثنائية بها وفرة غير مسبوقة من الشباب وبالتالي فإن الحل بسيط هو الاستفادة من "عراقة" المدرسة الطبية لزيادة أعداد الطلاب المقبولين في كليات الطب وزيادة اعداد كليات الطب الخاصة دون النظر للحديث "الأجوف" الخاص بأن البعض سيشتري شهادة الطب بأمواله، فمهنة الطب هي مهنة تطبيقة وتخصص يقوم على الممارسة العملية، فلا يوجد أحد سيراهن بخوض دراسة صعبة مثل دراسة الطب لمجرد الافتخار، فهذا ضد المنطق ولو حدث سيكون "استثناء" لا يثبت أي قاعدة..

تم نسخ الرابط