في يوم الجمعة..من هم أصحاب الكهف؟ وماذا أراد الله من قصتهم؟

تُعد قصة أصحاب الكهف واحدة من أعظم القصص القرآنية التي خلدها الله في سورة تحمل اسمهم، وجعلها عبرة لكل مؤمن ومؤمنة، ونموذجًا خالدًا للثبات على العقيدة، في وجه الظلم والفساد الفكري والاجتماعي.
في خلفية سردية تعجّ بالإيمان والتضحية، رسمت الآيات مشهدًا لشباب في مقتبل العمر، قال الله عنهم:
“إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى”، لتضع بذلك وصفًا خالدًا لمن أراد طريق الإيمان، بأن الإيمان لا يرتبط بالسن أو المنصب أو الجاه، بل بـ”النية واليقين”.
القرار الصعب.. فرار أم بقاء؟
واجه الفتية خيارًا وجوديًا: إما الانصياع لأمر الملك الكافر ومسايرة قومهم في الشرك، أو المفاصلة الكاملة، والفرار بدينهم. فاختاروا الإيمان، حتى ولو كان الثمن الغربة والوحشة والخطر.
دخلوا كهفًا لا يحمل شيئًا من مقومات الحياة، لكنهم دخلوا ومعهم إيمان يملأ قلوبهم، ودعاء يتسلحون به:
“رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً، وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا”.
وكانت الاستجابة الإلهية مختلفة عن المألوف. لم يُرسل إليهم طعامًا ولا ملجأ محصنًا، بل أرسل عليهم نومًا من نوعٍ خاص، امتد لقرون، لتمر الأحداث والملوك والأنظمة، ويبقوا هم آية خالدة.
⸻
زمن معلق.. ومعجزة قرآنية
ناموا ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعًا، كما ذكر القرآن في سورة الكهف:
“وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا”.
كيف عاشوا هذا النوم الطويل؟
القرآن الكريم يصف تفاصيل مدهشة، مثل تقلب أجسادهم، وموقع الكهف من الشمس، والكلب الذي يرافقهم، في مشهد يبدو ساكنًا لكنه محاط بالعناية الإلهية من كل اتجاه.
⸻
الصحوة.. وجدل الناس
حين استيقظ الفتية، بعث الله في قلوبهم الحياة من جديد، ظنّوا أنهم ناموا يومًا أو بعض يوم. أرسلوا أحدهم لشراء طعام، ولم يعلموا أنهم بصدد كشف قصةٍ ستحير الناس، وتُظهر قدرة الله على إحياء من في القبور، وحفظ من اختار طريق التوحيد.
الناس في المدينة اختلفوا: هل هم بشر؟ هل هم أحياء أم أموات؟ وماذا يفعلون بهذه النقود القديمة؟
وبعد أن أظهر الله أمرهم، واطّلع الناس عليهم، عاد الفتية إلى كهفهم، فقبض الله أرواحهم، ليبقوا في قبورهم كما كانوا في حياتهم: جماعةً على الإيمان، آيةً باقية في الزمان.
⸻
خلاف في العدد.. والجواب عند الله
تكرر في القصة سؤال الناس عن عددهم: ثلاثة؟ خمسة؟ سبعة؟
لكن القرآن يحسم الجدل، ويعلم المؤمنين أدب التلقي:
“قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ”.
وفي هذا توجيه تربوي عميق: لا تنشغل بالجدل حول التفاصيل الهامشية، وركّز على الرسالة الكبرى: الثبات على الحق، مهما كان الثمن
الرسائل المستفادة من قصة أصحاب الكهف:
1. الثبات على العقيدة أعظم من الحياة نفسها
فتية اختاروا الفرار بدينهم، وتركوا الدنيا خلفهم حفاظًا على توحيدهم وإيمانهم، فخلّد الله ذكرهم في القرآن الكريم.
2. الحق لا يُقاس بالكثرة
كانوا قلة قليلة، لكن الله أثنى عليهم ورفع شأنهم، ليكونوا حجة لكل مؤمن لا يجد من يعينه على الإيمان.
3. الدعاء مفتاح الفرج
دعاؤهم: “رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً” كان بداية التحوّل في قصتهم، فأعقب الله دعاءهم بنوم معجِز حفظهم من الفتنة.
4. حماية الله فوق الأسباب
لم يحمهم حصن ولا جيش، بل كهف بسيط، لكن العناية الإلهية كانت معهم: تقلب أجسادهم، موقع الشمس، هيبة تمنع الناس من الاقتراب.
5. رفيق الصلاح لا يُهمَل
حتى الكلب الذي صاحبهم نال الذكر في القرآن، وهذا درس بأن الصحبة الصالحة ترفع القدر حتى لغير البشر.
6. الإيمان لا يُقاس بالعمر
وصفهم الله بـ”الفتية”، ما يدل على أن الشباب قادرون على أن يكونوا قدوة في الثبات والإصلاح رغم ضغوط المجتمع.
7. الزمان بيد الله، لا بيد البشر
“وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا”.. الحياة والموت، الزمن والنوم، كلها بقدر الله وحده.
8. احترام الغيب.. وعدم الخوض في ما لم يُؤتَ علمه
حين اختلف الناس في عددهم، جاء الرد الإلهي: “قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم”.. لنتعلم أن لا نغرق في التفاصيل على حساب الجوهر.
9. قصة واحدة، وآيات متعددة
الله كرر بعض المعاني في سياقات مختلفة داخل السورة، ليغرس الرسائل التربوية في القلب بالعقل والعاطفة معًا.
10. كل من تمسك بالله، نال “الربط على القلب”
“وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ”.. الربط هنا هو الثبات، الصبر، الطمأنينة. وهي نعمة لا تُعطى إلا لمن صدق في نيّته