جيش الاحتلال ينهار حرب بلا هدف.. وجنود بلا عزيمة ( تقرير)

بعد ما يقرب من عامين من حرب متواصلة في غزة، بدأت الأقنعة تتساقط داخل صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي، ليكشف الجنود المقاتلون وجوههم المتعبة، ويطلقوا اعترافات نادرة ومشحونة بالغضب والإحباط والشكوك، عن الأثار النفسية التي خلفتها الحرب، التي لا يعلمون ما جدواها ولا السبب في استمرارها، أو من أجل من وماذا يقاتلون.
قتال بلا هدف
شاهار - اسم مستعار لجندي مشاة في آخر أربعة أشهر من خدمته - يقول: “في البداية، كنا مفعمين بالحماس، تركتُ كل شيء لأشارك في الحرب، رأينا تأثيرنا بأعيننا، شعرنا أننا نصنع فرقًا”.
لكن تلك الشعلة انطفئت سريعًا، واستبدلتها أيام طويلة من عدم اليقين والقتال المستمر دون هدف: “ انهيار الهدنة كان نقطة الانكسار، عدنا للقتال، لكن دون هدف، التعب هائل، وعدم الوضوح يقتلنا ببطء”.
وبينما ينتظر أن تنتهي خدمته الإلزامية، يدرك أنه سيلتحق مباشرة بقوات الاحتياط، وبهذا الصدد يقول: “إنني مُنهك، أنهِكنا جميعًا”.
نعوم، جندي آخر في جيش الاحتلال، يصف بداية الحرب بـ”اللحظة التي تمنّاها الجميع، اندفع الجنود إلى غزة دون تردد"، لكن استمرار الحرب غيّر المعادلة، “تحولنا من هجوم إلى دفاع، لم نعد نعرف لماذا نقاتل، ولا ما الذي نحاول تحقيقه، كأننا عالقون في دائرة عبثية”.
اقتصاد في الذخيرة وتضحية بالأرواح
ما يزيد الطين بلة، بحسب نعوم، هو الشعور بأن المؤسسة العسكرية بدأت توفر في الذخيرة أكثر مما توفر في الأرواح. “أُرسلنا إلى منازل مفخخة لأن القنابل مكلفة.. هذا هو التقدير الذي نحصل عليه؟ أعطيتُ كل شيء، وهذا ما أستحقه؟" (يقصد مخاطرة الجيش بحياته).
فيما تحدث نعوم، عن الأذي النفسي التي تسببت به الحرب: “استيقظ أصرخ، أحيانًا وغارقًا في العرق، وحين أخبرت أصدقائي في الجيش قالوا ببساطة أهلًا بك في النادي (يقصدون أن هناك كثير من الجنود لديهم نفس المعاناة".
وأضاف: “الصدمة أصبحت قاعدة، لا استثناء، ولا أحد يعلم متى تنتهي.. ربما عندما نخلع الزي العسكري، وربما لا”.
ومثل شاهار، سيكون نعوم ضمن الاحتياط قريبًا، فيما يقول الأول: “لا نريد قتالًا، نريد استراحة، نُقاتل كي نعيش، لا من أجل الحرب، لكن يبدو أن هذه الحرب لن تنتهي أبدًا".
وبحسب يديعوت أحرنوت، فإن، في الميدان الجنود الإسرائيليين يرون إنهيار بعضهم البعض، وكشفت أن جنديان من سلاح المدرعات رفضا القتال الأسبوع الماضي بسبب الإرهاق، وانتهى بهما الأمر في السجن.
فيما قال جندي إسرائيلي يدعى أمير، يخدم في سلاح المدرعات: “الضغط في الدبابات لا يُحتمل لا وقت للراحة، تعمل وتُصلح وتعود.، كثيرون يفكرون بالرفض.. أفهمهم تمامًا".
جيش يحتضر
وأرجع سبب الإنهاك الحاد الذي يشعر به الجنود، بأنه راجع إلى النقص في القوى البشرية، والاستنزاف المتصاعد للجنود بسبب الحرب قائلًا: “الجيش لا يُجند المزيد، بل يمدد خدمتنا.. الإرهاق يؤدي للأخطاء، انفجارات، أعطال، إصابات.. هذا ليس جيشًا متماسك، هذا جسد يحتضر”.
أما عن الوضع خارج جيش الاحتلال، فلا يقل قسوة بالنسبة لـ “بن” الجندي في وحدة استطلاع، إذ تحدث عن التناقض الصارخ في المجتمع: “نحن من خلفيات متباينة، لكن في الميدان نعمل كجسد واحد، ثم نعود إلى وطن يتفكك، إلى شعب يتشاجر.. من نُقاتل من أجله؟”
بن، مثل رفاقه، يعلم أن حريته مؤقتة: “الجيش قد يستدعينا في أي لحظة، نُريد البدء من جديد، لكنهم لن يسمحوا لنا، المستقبل يبدو كأنه نسخة مكررة.. استدعاء، قتال، ثم استدعاء جديد”.
إلى ذلك، منظمات أهلية مثل “أمهات على الجبهة” تؤكد أن الأمور خرجت عن السيطرة لا سيما وأن: “عشرات الأمهات اتصلن بهن وأكدوا أن أبناؤهن منهكون، وتظهر عليهم علامات اضطراب ما بعد الصدمة، بينما لا أحد يستمع لهم”.