عاجل

في عام 1944 نشر روبرت ناب (R. Knapp) مقالة في دورية "الرأي العام" ربع السنوية، بعنوان: "علم نفس الشائعات" - (A psychology of Rumour)، تضمنت تعريفا وتصنيفات الشائعة وآليات المواجهة.
المقال يعتبر من أبرز الكتابات التي تناولت موضوع الشائعات، لعدة اعتبارات أبرزها خبرة الكاتب نفسه في هذا المجال، إذ كان مسؤولاً سابقا عن السيطرة على الشائعات في لجنة السلامة العامة في ماساتشوستس، وبالتالي كان على صلة وثيقة بهذا المجال أكثر من أي عالم اجتماعي آخر.
"ناب"؛ طرح في مقاله 5 توصيات رئيسية في إطار الإجابة على تساؤل محوري (لا يزال قائما حتى الآن) وهو كيف يمكن الحد من انتشار الشائعات؟.
تلك التوصيات الـ5 جاءت على النحو التالي:
1 – يجب أن يثق الرأي العام (على الدوام) بوسائل الإعلام الرسمية، ووصف هذه الثقة بـ"العمياء" بحيث لا يلتفت إلى أي مصادر معلومات أخرى.
2 – ضرورة إيمان الشعب أو القاعدة الشعبية بالقادة بشكل مطلق، بمعنى أن تثق في الحكومة التي تبذل قصارى جهدها (من وجهة نظرها) لمواجهة المشكلات الناتجة عن "الأزمات والحروب".
3 – ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لتفادي ما وصفه بـ"مشاعر الريبة والشك" التي تغذي الشائعات وتساعد في انتشارها.
بمعنى أنه عندما تحدث أزمة أو يطرأ حدث ما، يجب الإسراع قدر الإمكان إلى نشر أكبر قدر من المعلومات عن الحدث.
واستند في هذه التوصية إلى أن الشائعات، بطبيعة الحال، تنشأ من الأسئلة التلقائية التي تتبادر إلى أذهان القاعدة الشعبية ولا تجد جواباً لها عند الجهات المعنية، وبالتالي فالشائعة هنا "تلبي حاجة المواطنين إلى فهم الحدث" أو الفضول في أوقات أخرى.
4 – إزالة بؤر الجهل فيما يتعلق بحدث أو واقعة ما، وذلك ليس فقط بنشر المعلومات حول هذا الحدث أو تلك الواقعة، ولكن الحرص على أن تصل إلى المتلقين كافة، بالوسائل الملائمة لكل فئة أو طبقة.

وهنا؛ ذكر Knapp مثالا تمثل في مبادرة تبناها الجيش البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية آنذاك، تمثلت في تنظيم (اجتماعات تثقيفية) يناقش فيها الجنود مختلف الموضوعات ويتلقون فيها الإجابات بشكل واضح وشفاف.
5 – ضرورة الحد من معدلات البطالة عن طريق تأمين فرص العمل.
فبحسب عالم الاجتماع الأمريكي فإن "الضجر يثير التعطش إلى أبسط أنواع الضجيج الذي يسمح بالخروج من الرتابة"، ووقوده هنا هو الشائعات وتناقلها كمدخل لسد أوقات الفراغ الناتجة عن البطالة.

التوصيات السابقة تبدو للوهلة الأولى فاعلة حال تطبيقها، ولكن بنظرة أعمق، يتضح أنها تطرح جدلا حول شروط ومتطلبات نجاحها.
فقد أكد "ناب" على أن هذه التوصيات مرتبطة بفترة الحروب، وهو ما يتسق مع تاريخ نشر هذه المقالة (عام 1944)، وما تفرضه من متطلبات تماسك الجبهة الداخلية لدعم القيادة التي تدير المعارك على الجبهات العسكرية والسياسية والاقتصادية، والتي يجب أن يكون الإعلام الرسمي فيها هو المصدر الوحيد للمعلومة في ظل الطوارئ التي تفرضها حالة الحرب.
بيد أن هذه الحالة، سواء طالت مدتها أو قصرت، يمكن توصيفها بـ"الاستثنائية"، وأن استمرارها بعد أن تضع الحرب والمعارك العسكرية أوزارها، قد يؤدي إلى نتائج عكسية، تمتد أثارها إلى تحفيز عكسي للشائعات والتي تضرب الجبهة الداخلية..
ومع التطور التكنولوجي الراهن، سواء على المستوى الأفقي (الخاص بانتشار منصات التواصل الاجتماعي)، أو الرأسي (المرتبطة ببناء نماذج وأدوات تكنولوجية تسمح بخلق واقع افتراضي على الأرض)، تبدو هناك ضرورة لمناقشة آليات مواجهة الشائعات تتوافق مع البيئة الراهنة داخليا وخارجيا المحفزة للتوتر والاضطرابات، وهو ما يمكن مناقشته في المقال القادمة.

تم نسخ الرابط