لم يفكر ولو قليلا في ابنه الوحيد الذي كان زفافه بعد العيد بل انطلق ملقيا كل الحسابات خلف ظهره مدفوعا بإحساس بالمسئولية تجاه أبناء المنطقة مدركا حجم الخطر الذي يتهددهم على الرغم من أن حسابات العقل كانت ستبعده عن أي لوم أو نقاش لو قرر البطل خالد عبد العال -بطل واقعة شاحنة البنزين بالعاشر من رمضان - أن يفر بحياته ليهنأ بزفاف ابنه فثباته أمام الكرب حسبة المصري تظهر حين يستفز المصري الخطر أو يتحداه أحد محاولا فرض الأمر الواقع عليه فالشهامة "جين مصري" خالص مزروع في وجدان أبناء هذا الوطن منذ فجر الحضارة لا تعلمه المدارس ولا تلقنه الكتب بل يولد مع الإنسان وينمو معه ليشكل أحد أبرز ملامح الهوية المصرية فهي ليست مجرد موقف عابر أو تصرف لحظي بل مبدأ متجذر في الثقافة وسلوك يمارس بفطرة خالصة تحركه نخوة داخلية تدفع صاحبه إلى نصرة المظلوم وإغاثة الملهوف والوقوف بجانب الضعيف دون انتظار مقابل.
ذلك موقف من مواقف عديدة متكررة بشكل يومي لا تلتفت إليها الكاميرا ولا تبرزها الأضواء حيث تتجلى الشهامة في مصر في مواقف الحياة اليومية حين يهرع شاب لإنقاذ طفل من خطر أو يفتح رجل بيته لغريب في وقت ضيق أو تقف امرأة إلى جوار أخرى لا تعرفها لمجرد أنها بحاجة إلى دعم وهي تفاصيل صغيرة لكنها تحمل معاني عظيمة تعبر عن أصالة شعبٍ اعتاد أن يقدم دون أن يطلب منه وأن يبادر بالعطاء قبل أن يسأل ولطالما كانت الشهامة جزءًا من روايات الأجداد وقصص الحارة المصرية وأغاني الفلاحين ومواقف الجنود على الجبهة وأحاديث المجالس في القرى والمدن ورغم تغير الزمن وتبدل الأحوال ظل هذا الجين حيا في النفوس يثبت في كل أزمة أن المعدن المصري لا يصدأ وأن النخوة ليست موروثا ينسى بل قيمة تتجدد جيلاً بعد جيل.
إن الشهامة المصرية لا تقاس بمظاهر القوة بل تقاس بمدى الإنسانية والكرم والشعور بالآخر ولهذا حين نقول إن "الشهامة جين مصري" فنحن نؤكد على حقيقة راسخة أن هذه القيمة ليست استثناء في الشخصية المصرية بل قاعدة ثابتة تتكرر وتتجلى كلما دعت الحاجة إلى من يقف وقفة رجال.
ولعل هذ الرسالة التي بعث بها البطل الذي جعل رحيله آية تذكرنا جميعا بأن التضحية بالذات أسمى معاني العطاء والدرع الحتمية لهؤلاء الذين يتربصون بنا يوما نغفل فيه عن يعضنا البعض فيتمسك كل بمصلحته وننسى المصلحة الجامعة التي ينزعج عدونا منها عميقا حين يرى حرصنا عليها وأن مواقف الحياة الصعبة التي يراهن البعض عليها أن تكون وقودا لحرق هذا الوطن ما هي إلا اختبارات يملك المصريون رصيدا عظيما لتجاوزها وبجدارة فإن كان رهانكم على يوم تتحول مواقف الغضب من مصاعب اقتصادية إلى رصيد يضاف إلى تحرككم الخبيث للتدمير وتمرير أجندات عفنة فاعلموا أنها رهانات خاسرة واسألوا الشهيد البطل خالد عبد العال الذي لم تحبطه مصاعب الحياة عن أداء واجب أو بذل الجهد دون استدعاء أو مقايضة تلك هي الرسالة الأهم أن المصريين لا تلهيم مشقة ولا تغير شهامتهم دعايات مهما كانت متقنة فحين الخطر ستجدون الملايين من أمثال خالد عبد العال على استعداد تام لبذل الروح دفاعا عن هذا الوطن ودفاعا عن شعبه فتعلموا من البطل لعلكم تفلحون.