العبودية في مزدلفة.. روحانية التجرد من الدنيا على طريق مناسك الحج

في قلب شعائر الحج المباركة، وتحديدًا في مشعر مزدلفة، تتجلى واحدة من أعمق معاني العبودية والطهارة القلبية، حيث يبيت الحجاج بعد غروب شمس يوم عرفة، في مكان تغيب عنه مظاهر الترف والراحة، ليعيشوا لحظة خالصة من التجرّد، والتسليم الكامل لله عز وجل، بعيدًا عن زخرف الحياة ومادياتها في مناسك الحج.
مزدلفة .. اختبار للتجرد
أوضح الدكتور عبداللطيف سليمان، أحد علماء الأزهر الشريف، أن المكوث في مزدلفة ليس مجرد التزام شعائري، بل هو تجربة روحية فريدة، تقيس مدى استعداد العبد للتنازل عن مظاهر الراحة والترف الدنيوي في مناسك الحج.
وقال عبداللطيف سليمان: "مزدلفة مكان يخلو من العمارة، ولا يتوفر فيه إلا القليل من المياه، وتغلب عليه ملامح البساطة من تراب وحصى، وهو ما يؤكد أنك تقف بين يدي الله عبدًا خالصًا، متجردًا من كل ما تعلق به قلبك من زخارف الدنيا في مناسك الحج".
مزدلفة.. علامة صدق النية
أشار عبداللطيف سليمان، إلى أن الحاج يمكث في مزدلفة حتى منتصف الليل ليُحتسب له المبيت الشرعي، وهو واجب من واجبات الحج، وبعده يبدأ الحاج في استئناف خطوات في مناسك الحج تبعًا لظروفه.
أضاف عبداللطيف سليمان،: "فمن تيسر له المسير، يتحرك إلى منى لرمي جمرة العقبة الكبرى، أو يتوجه إلى مكة مباشرة لأداء طواف الإفاضة، أحد الأركان الأساسية في مناسك الحج".
خطوات التحلل في مناسك الحج
تطرق عبداللطيف سليمان إلى أهمية فهم معنى التحلل في مناسك الحج، موضحًا أن التحلل ينقسم إلى مرحلتين: "التحلل الأصغر: يتحقق بأداء اثنين من الأعمال الثلاثة (رمي جمرة العقبة، وطواف الإفاضة، والحلق أو التقصير)، وفي هذه الحالة يحل للحاج كل شيء إلا معاشرة الزوجة."
وتابع عبداللطيف سليمان: "التحلل الأكبر: يتحقق إذا أتى الحاج بالأعمال الثلاثة مجتمعة، وهنا يُرفع عنه جميع محظورات الإحرام، ويصبح كأي مسلم غير محرم".
وأكد عبداللطيف سليمان أن هذا التدرج في التحلل يعبّر عن دقة الشريعة الإسلامية، وحرصها على تعليم الإنسان مراتب الطاعة والالتزام، وكيف أن التقرب إلى الله يأتي خطوة بخطوة، مقرونًا بالنية الصادقة والعمل المتقن.
رمزية الجمرة وطواف الإفاضة
لفت عبداللطيف سليمان إلى أن رمي جمرة العقبة الكبرى يحمل رمزية عميقة في التعبير عن الانتصار على وساوس الشيطان، وهو ما يعكس رحلة الإنسان في مقاومة الشر والتزكية الروحية، قائًلا: "أما طواف الإفاضة، فهو لحظة من لحظات الطهارة القلبية والتجديد الإيماني، إذ يُحيط الحاج بالكعبة في تعبير عن التسليم الكامل لرب العالمين".

أكد عبداللطيف سليمان أن المشاعر الروحية في مزدلفة، ومن بعدها منى، تمثل قمة التجلي الإيماني في الحج، حيث يعيش الحاج أجواءً من السكينة والتجرد والطمأنينة.
واختتم بالقول عبداللطيف سليمان: "ما بين البساطة الشديدة في مزدلفة، والمهابة التي ترافق رمي الجمرات، إلى روحانية الطواف حول البيت العتيق... يتعلّم الإنسان كيف يتطهّر من شوائب النفس، ويتجه نحو الله بقلبٍ نقيّ، خالٍ من التعلقات، مفعم بالتوحيد واليقين".