بعد عملية شبكة العنكبوت.. هجمات الدرون تهدد العمق الأمريكي العسكري مباشرة

أصبحت الطائرات المسيّرة (الدرونز) جزءاً رئيسياً من تكتيكات الحرب الحديثة، وبرزت بشكل حاد في الحرب الأوكرانية، حيث نفذت أوكرانيا هجمات دقيقة على قواعد روسية عسكرية حساسة باستخدام طائرات صغيرة من نوع "فيرست بيرسون فيو" (First Person View)، أُطلقت من شاحنات مموهة على شكل حاويات.
واعتمد هذا النوع من الهجمات على عنصر المفاجأة والعمل الجماعي السريع، ما جعله يصعب التصدي له أو اكتشافه قبل وقوع الضرر.
من أوكرانيا إلى واشنطن: هل تنتقل الجبهة؟
من جهته، يقول المحلل العسكري الأمريكي براندون وايكيرت، في تقرير نشرته مجلة ناشيونال إنتريست، إن الولايات المتحدة يجب أن تقلق من إمكانية تنفيذ أعدائها لهجوم مماثل داخل أراضيها. "السؤال لم يعد إذا كان سيحدث، بل متى سيحدث"، على حد تعبيره.
فقد باتت الولايات المتحدة عرضة للخطر بنفس الطريقة التي كانت روسيا عرضة لها، خاصة مع تكرار الثغرات الأمنية داخل المنشآت العسكرية، وضعف الإجراءات الوقائية في بعض المواقع الحساسة.
وتهيمن الحرب الأوكرانية حاليا على دورة الأخبار، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الهجوم الفريد الذي نفذته أوكرانيا مؤخرا ضد قاعدتين جويتين روسيتين رئيسيتين، تقعان في عمق الأراضي الروسية، باستخدام طائرات مسيرة متقدمة "فيرست بيرسون فيو"، تم إطلاقها من شاحنات مدنية مموهة على شكل حاويات كانت متوقفة خارج القاعدتين.
واعتمدت العملية بأكملها، التي أطلقت عليها الحكومة الأوكرانية اسم "عملية شبكة العنكبوت" على عنصر المفاجأة.
ونُفذت بواسطة مجموعة من الطائرات المسيّرة "فيرست بيرسون فيو"، تميزت بقدرتها على العمل دون أن يتم اكتشافها لفترات طويلة، قبل أن تهاجم أهداف العدو غير المتوقعة بشكل جماعي وسريع، بطريقة لا تتيح للخصم الوقت الكافي للرد أو التصدي.
ويقول وايكيرت إن ما يجب أن يقلق كل خبير أمني في الغرب، وخاصة في الولايات المتحدة، هو ما إذا كان أي من أعداء أميركا يستطيع تنفيذ هجوم مماثل على قواعد عسكرية حساسة داخل الأراضي الأميركية. وللأسف، أصبحت الولايات المتحدة الآن عرضة للخطر بنفس الطريقة التي كانت روسيا عرضة لها.
ضعف أمني وحدود مخترقة
وأشار وايكيرت إلى أن إدارة الرئيس جو بايدن تهاونت في ضبط الحدود خلال السنوات الأخيرة، مما سمح بارتفاع غير مسبوق في أعداد المهاجرين غير الشرعيين. وتكمن الخطورة هنا، ليس فقط في عبور مهاجرين اقتصاديين، بل في احتمال تسلل عناصر تابعة لدول معادية، أو جماعات متطرفة، أو منظمات إجرامية، قد تستغل هذا الانفلات لتنفيذ هجمات داخل الأراضي الأمريكية.
وبحسب وايكيرت، فإن عدم معرفة الحكومة الأميركية بمن دخل البلاد، ولماذا، يشكل تهديداً غير مسبوق للأمن القومي.

قواعد حساسة.. بلا حماية كافية
ورغم أن القواعد العسكرية تُفترض أن تكون محصنة، إلا أن الواقع يكشف العكس. فقد تعرضت قاعدة "إدواردز الجوية" - إحدى أكثر المنشآت العسكرية حساسية، وتضم وحدة "سكانك ووركس" التابعة لشركة لوكهيد مارتن - لسلسلة من الخروقات، كان أبرزها تواجد "سياح صينيين" مزودين بكاميرات ومعدات متطورة في محيطها. السؤال المقلق: ماذا لو كانوا يحملون طائرات مسيرة بدلاً من الكاميرات؟
ورغم اعتراضهم، لم تُتخذ إجراءات قانونية حازمة بسبب تواجدهم خارج أراضي القاعدة، ما يكشف عن ثغرات قانونية وأمنية ينبغي معالجتها فوراً.
خطر قائم في الأفق
قد تكون قاعدة "لوك الجوية" في ولاية أريزونا، التي تحتضن طائرات "إف-35" المتطورة، هدفاً محتملاً في حال لم تُعزز تدابير الحماية حولها. ويرى وايكيرت أن مهاجماً مزوداً بطائرة مسيّرة صغيرة محملة بالمتفجرات يمكنه إحداث ضرر بالغ قبل أن يتم كشفه.
الهجوم الأوكراني ضد العمق الروسي كشف عن ضعف الردع التقليدي، حيث كانت الطائرات الروسية مكشوفة على المدارج بسبب ممارسات تعود لعقود، فرضتها اتفاقيات الحد من التسلح.
مراجعة استراتيجية شاملة
يشدد التقرير على أن العالم دخل مرحلة جديدة من الصراع، حيث لم تعد الحدود الجغرافية، أو الإجراءات الأمنية التقليدية، قادرة على صد التهديدات. ولذا، يوصي وايكيرت بإجراء تعديلات جذرية في البنية الأمنية للمنشآت العسكرية الأميركية، وتطبيق إجراءات رقابية دائمة وشاملة لمنع هجمات مفاجئة قد تخلّ بتوازن الردع الأميركي.
لم تعد التهديدات تلوح في الأفق، بل تقترب بسرعة. وعلى الولايات المتحدة أن تتعامل مع هذا الواقع الجديد بعقلانية وسرعة، قبل أن تواجه "شبكة عنكبوت" خاصة بها، على أراضيها هذه المرة.