«حرب الهاكرز».. روسيا والصين وبريطانيا في سباق تسلّح رقمي بلا حدود

تعتزم الحكومة البريطانية إنفاق أكثر من مليار جنيه إسترليني (1.35 مليار دولار) على تطوير قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي وتشكيل فرق هجومية إلكترونية، في إطار استراتيجية أمنية جديدة تستهدف مواجهة التهديدات المتصاعدة من "الدول المعادية"، وعلى رأسها روسيا والصين.
ووفقاً لتقرير نشرتة صحيفة “ديلي تلجراف”، قال وزير الدفاع البريطاني جون هيلي، إن "لوحات مفاتيح الكمبيوتر باتت تمثل جبهة قتال جديدة"، مشيرًا إلى أن الاستثمارات الجديدة ستسهم في "إرساء معايير جديدة للدفاع الوطني في العصر الرقمي".
ومن المقرر أن تُدرج هذه التوجهات في المراجعة الأمنية والدفاعية الشاملة التي تعكف الحكومة البريطانية على إعدادها، والمتوقع صدورها في 2 يونيو المقبل.
تصاعد الهجمات الإلكترونية واستراتيجية المواجهة
وفقًا للصحيفة، فإن وزارة الدفاع البريطانية تعرضت لنحو 90 ألف هجوم إلكتروني خلال العامين الماضيين، وهو رقم يتضاعف مقارنة بالإحصاءات المنشورة في 2023، وتدعي الصحيفة أن معظم هذه الهجمات تعود إلى نشاطات سيبرانية مصدرها روسيا والصين.
وتأتي هذه الخطوة في وقت تتزايد فيه التحذيرات الغربية من صعود القدرات السيبرانية الهجومية لدى موسكو وبكين، حيث تُتهم روسيا بتنفيذ عمليات قرصنة موجهة تستهدف البنى التحتية الحيوية والأنظمة الحكومية في دول "الناتو"، بينما تعمل الصين، بحسب تقارير استخباراتية غربية، على تعزيز قدراتها التكنولوجية لتأمين تفوق استراتيجي في مجالات الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية والتجسس الإلكتروني.
الذكاء الاصطناعي في ساحات القتال
وكانت صحيفة الجارديان قد كشفت في وقت سابق أن الجيش البريطاني بدأ باختبار أنظمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي في دول أوروبية مثل إستونيا، حيث تساعد هذه التقنيات في رصد التهديدات وتحديد أنسب الأسلحة للتعامل معها بصورة آلية، ما يشير إلى تحول نوعي في طريقة خوض المعارك المستقبلية.
رد روسي وتحذير من التصعيد الإعلامي
من جانبها، نفت السفارة الروسية في لندن أي مسؤولية لموسكو عن هذه الهجمات، مؤكدة أن "روسيا لا تشكل أي تهديد أمني لبريطانيا"، واتهمت السلطات البريطانية بـ"فبركة الادعاءات لتبرير زيادة الإنفاق العسكري، وصرف أنظار المواطنين عن الأزمات الداخلية المتفاقمة"، بحسب بيان رسمي.
وقالت السفارة: "الحكومة البريطانية تحاول تأجيج الرأي العام عبر وسائل الإعلام، في وقت تواجه فيه البلاد ضغوطًا اقتصادية واجتماعية متزايدة، وتبحث عن غطاء سياسي لزيادة مخصصات وزارة الدفاع في ظل التقشف المالي".
صراع التكنولوجيا بين الشرق والغرب
ويرى محللون أن هذه التطورات تأتي في سياق تصاعد التنافس الجيوسياسي بين القوى الغربية من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى، في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني. وبات يُنظر إلى التفوق في هذه المجالات باعتباره مفتاحًا للهيمنة العسكرية والاقتصادية في العقود القادمة.
ويشير الخبراء إلى أن روسيا تتبع نهجًا هجوميًا في الفضاء السيبراني، يعتمد على شبكات القرصنة شبه الحكومية، فيما تعتمد الصين على استراتيجية طويلة الأمد ترتكز على السيطرة على سلاسل التوريد التكنولوجية وجمع البيانات.

نفقات روسيا للذكاء الاصطناعي
تواصل روسيا تعزيز استثماراتها في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، حيث تُظهر التقارير أن روسيا خصصت أكثر من 7 مليارات دولار أمريكي في عام 2025 لتعزيز دفاعاتها الرقمية، مما يجعلها واحدة من أبرز الدول في هذا المجال.
تطوير الذكاء الاصطناعي
وأطلقت روسيا خطة دفاعية تمتد لعشر سنوات تركز على تطوير الذكاء الاصطناعي، بهدف دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في الأنظمة العسكرية. تشمل هذه المبادرة تطوير أنظمة دفاع جوي مثل S-500، بالإضافة إلى تحسين فعالية الطائرات بدون طيار والمدفعية. تُدار هذه المشاريع من قبل وزارة الدفاع الروسية بالتعاون مع شركات حكومية مثل Rostec وEra Foundation.
الأمن السيبراني
في مجال الأمن السيبراني، شهدت روسيا زيادة بنسبة 25% في سوق الأمن السيبراني خلال عام 2023، ليصل حجم السوق إلى حوالي 265 مليار روبل روسي. من المتوقع أن يستمر هذا النمو في عام 2024، حيث يُتوقع أن يصل حجم السوق إلى ما بين 318 و331 مليار روبل روسي.
تسعى روسيا إلى تعزيز تعاونها في مجال الذكاء الاصطناعي مع دول أخرى، مثل الصين وكوريا الشمالية وفنزويلا. في مايو 2024، وقعت روسيا والصين اتفاقية للتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يعكس التوجه الروسي نحو تعزيز قدراتها التكنولوجية من خلال الشراكات الدولية.

أمـــا الصين
في عام 2024، خصصت الصين نحو 10 مليارات دولار لتعزيز قدراتها في مجال الدفاع السيبراني، مع التركيز على تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي والقدرة على التشفير الكمومي. تُوجه هذه الاستثمارات إلى تحسين جاهزية القوات المسلحة لمواجهة التهديدات الرقمية المتزايدة.
علاوةً على ذلك، أطلقت الصين في يناير 2025 صندوقًا استثماريًا بقيمة 60 مليار يوان (حوالي 8.2 مليار دولار) لدعم تطوير الذكاء الاصطناعي، بالتعاون مع صندوق "المرحلة الثالثة" لصناعة أشباه الموصلات.
القدرات السيبرانية العسكرية
وفي أبريل 2024، أنشأت الصين "قوة الفضاء السيبراني لجيش التحرير الشعبي"، وهي وحدة متخصصة في الحرب الإلكترونية والعمليات السيبرانية الهجومية والدفاعية. تعمل هذه القوة على تعزيز الدفاعات الرقمية الوطنية ومكافحة الهجمات السيبرانية المعقدة.
الاستخدامات العسكرية للذكاء الاصطناعي
وتُظهر التقارير أن الصين تستثمر بشكل كبير في دمج الذكاء الاصطناعي في أنظمتها العسكرية، بما في ذلك تطوير روبوتات قتالية وأنظمة مراقبة ذكية. تُستخدم هذه التقنيات لتحليل البيانات الضخمة، وتحديد التهديدات المحتملة، وتحسين استراتيجيات الحرب.
التحديات والتهديدات المستقبلية
رغم هذه التقدمات، تواجه الصين تحديات في تأمين بنيتها التحتية الرقمية من الهجمات السيبرانية. تشير التقارير إلى أن 65% من المتخصصين في الأمن السيبراني في الصين يعبرون عن قلقهم من نقص الميزانية المخصصة للأمن السيبراني في عام 2024، وهو ضعف المتوسط العالمي.
التهديدات العالمية
وتُظهر التقارير أن مجموعات القرصنة المرتبطة بالصين وإيران تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي لتعزيز هجماتها السيبرانية، بما في ذلك كتابة الأكواد الخبيثة والبحث عن الثغرات. هذا الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي في الهجمات السيبرانية يشير إلى تحول في أساليب الحرب الرقمية.