تجاوز لوظيفة التبليغ| إمام عمر مكرم عن أزمة الأئمة: الحج لا يُعفي من النظام

قال مظهر شاهين إمام وخطيب مسجد عمر مكرم، إن الله شرع لنا دينًا متكاملًا، لا تنفصل فيه العبادة عن الأخلاق، ولا الإيمان عن السلوك، والصلاة والسلام على من قال: “الدين النصيحة”، وجعل القدوة أساسًا للدعوة، والصدق معيارًا للعمل، وعلى آله وصحبه ومن سار على هديه إلى يوم الدين.
الحج لا يُعفي من النظام.. ودروس في القدوة قبل الخطابة
وتابع مظهر شاهين في بيان له اليوم: لما كانت العبادة لا تُقبل إلا إذا وافقت أمر الله ظاهرًا وباطنًا، وكان الداعية أولى الناس بتحقيق المعاني التي يدعو إليها، فقد وجب التذكير – من باب النصيحة الخالصة – بأمرٍ تكرّر الحديث عنه مؤخرًا، وهو سفر بعض الدعاة وأئمة المساجد لأداء فريضة الحج دون إذن رسمي من جهة العمل، مخالفين بذلك النظم الإدارية التي ارتضيناها، والتي نطالب غيرنا باحترامها.
أولًا: الالتزام بالنظام واجب شرعي وأخلاقي قال علماؤنا: “ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب”. والإذن الوظيفي للسفر ليس أمرًا شكليًا، بل ضرورة تنظيمية تتعلق بحقوق العمل، واستمرار المرفق العام، وعدم الإضرار بالمصلحة العامة. ولا يجوز في دين الله أن يتحايل الإنسان على الواجب، أو يُعطِّل مصالح الناس باسم العبادة، بل من تمام الصدق في الطاعة أن تؤدى العبادة من خلال السبل المشروعة، ووفق الضوابط التي تحفظ الحقوق وتراعي النظام.
الالتزام بالوظيفة واستئذان الدولة من شروط الاستطاعة
قال الله تعالى: ﴿ولله على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلًا﴾ [آل عمران: 97]. والاستطاعة لا تقتصر على المال والبدن، بل تشمل أيضًا الاستطاعة النظامية والقانونية. فمن لم يحصل على إذن رسمي من جهة عمله، أو ترك عمله دون تنسيق، فقد تعمد مخالفة النظام، ولم تتحقق له الاستطاعة الشرعية الكاملة. بل يُعد سفره تعطيلًا لحق الغير، وتجاوزًا لوظيفة التبليغ والأمانة، وهو ما ينافي مقصود الحج، ويُدخل النية في دائرة الريبة.
العلماء أولى الناس بالقدوة والانضباط
من صعد المنبر، أو ارتدى زي العلماء، فهو في مقام المسؤولية والقدوة. قال الله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لمَ تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون﴾ [الصف: 2–3]. فلا يصح أن نعلّم الناس احترام القانون، ثم نخالفه حين تسنح لنا الفرصة، أو نتمسك بالواجبات حين نُحاسب غيرنا عليها، ثم نتجاوزها حين يتعلق الأمر بأنفسنا. وإذا سقطت القدوة، ضاع أثر الكلمة، وتشوّهت صورة الدعوة والدين.
الحج المجاني لا يُبرر مخالفة النظام أو إسقاط الحقوق
قد تُعرض على البعض فرصة حجٍّ مجانية أو ميسّرة، فيرى أن من حقه أن يسارع، ولو دون استئذان أو ترتيب. لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى…” ومن نوى التحايل، أو تهاون بحقوق وظيفته، أو قصّر في أمانته، فعليه أن يُراجع نيّته، فإن الله لا يقبل العمل إلا إذا صلحت الوسيلة، وطهرت الغاية.
المخالفة تبقى مخالفة مهما حَسُن القصد
إن من مقاصد الشريعة أن تُؤدى العبادات في إطار من الانضباط والعدالة واحترام الحقوق، فلا تُقبل النية الحسنة في أداء عبادة إذا ارتُكبت في سبيلها مخالفة ظاهرة أو أُهدرت فيها حقوق الآخرين. فالمخالفة تبقى مخالفة، ولو ارتكبها الإنسان من أجل أمرٍ حسن، ولا يغيّر من حقيقتها أن يكون القصد عبادةً أو سعيًا إلى أجر، بل لا تُقبل العبادة شرعًا إلا إذا استوفت شروطها، وكان الطريق إليها مستقيمًا غير معوج.
وقد قعّد العلماء أن: “النية الحسنة لا تُصحّح العمل الفاسد، ولا تبرر ارتكاب الممنوع”، فمن خالف النظام، أو تعدّى على حق عام، أو أساء إلى وظيفةٍ اؤتمن عليها، فقد أخلّ بما يُنافي جوهر العبادة، حتى لو ظن أنه يتقرب بها إلى الله، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، والوسائل لها حكم المقاصد.
لا يجوز اتخاذ العبادة ذريعة للتحايل على النظام
ليس لأحد أن يحتج بكون الحج عبادة ليُعفي نفسه من الالتزام، أو يتحايل على الجهات المختصة. فمن حق الدولة – كما من حق الناس – أن تُنظّم وتُحاسب وتمنع أي تجاوز يُربك العمل أو يُهدر المصلحة العامة. والأصل أن يكون الداعية قدوة في الامتثال للقانون والنظام، لا متعلّلًا باسم الدين للخروج عليه.
وشدد إمام عمر مكرم في ختام بيانه: «إنني أقول هذه الكلمات محبةً لا خصومة، ونُصحًا لا انتقاصًا، فالدين عظيم، ومنبره أقدس من أن يُستعمل لتبرير الخطأ أو تغليف المخالفة بثوب الطاعة، ولا يجوز أن تُحمى المصالح على حساب المبادئ، أو تُعطّل الأمانة بدعوى الحرية أو الزمالة.
وما هذا البيان إلا تذكيرٌ واجب، ونصيحة خالصة، لعلها تجد قلبًا واعيًا، وعقلًا منصفًا، ونفسًا مؤمنة بأننا جميعًا مؤتمنون. ومن هذا المنطلق، أقولها صريحة لا مواربة فيها: لستُ ممّن يُجامل أحدًا في الحق، ولا ممن يُراعون زمالةً تُقرّ الباطل أو تصمت على التجاوز، بل أستلهم في ذلك منهج النبي صلى الله عليه وسلم القائل: “الدين النصيحة”، وأهتدي بقوله صلى الله عليه وسلم: “انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا”. فلما سُئل عن نصرة الظالم قال: “تمنعه عن ظلمه، فذلك نصرُك إياه”. فالنصيحة الصادقة، وإن كانت مُرّة، خيرٌ من صمتٍ يُلبس الباطل لبوس الحق، ويهدم الثقة، ويفقد الناس احترامهم للدعوة والداعية. وقد قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “إنما نأخذ الناس بما ظهر من أعمالهم، فمن أظهر خيرًا قرّبناه، ومن أظهر غير ذلك لم نأمنه، وإن قال: سريرتي حسنة”.