عاجل

هرمون التستوستيرون وثقة الرجل: كيف يؤثر على تقدير الذات من لحظة إلى أخرى؟

هرمون التستوستيرون
هرمون التستوستيرون

في تطور علمي لافت، كشفت دراسة حديثة نشرتها مجلة Biological Psychiatry: Cognitive Neuroscience and Neuroimaging أن لـ هرمون التستوستيرون – المعروف بهرمون الذكورة – تأثيرًا عميقًا يتجاوز الجوانب الجسدية، ليصل إلى إعادة تشكيل شعور الرجل بذاته في كل لحظة يمر بها، خاصة في المواقف الاجتماعية التي تتطلب تفاعلًا مباشرًا مع القبول أو الرفض.

الدراسة لم تكتفِ بتأكيد وجود رابط بين هرمون التستوستيرون وتقدير الذات، بل كشفت عن آلية دقيقة يحدث من خلالها هذا التأثير، تتعلق بمدى تذبذب الثقة بالنفس استجابة للتغذية الراجعة من الآخرين.

تقدير الذات... الثابت مقابل اللحظي

يفرق علماء النفس بين نوعين من احترام الذات:

  • تقدير الذات الصِّفَتي: وهو مستقر نسبيًا ويعكس صورة الشخص عن نفسه على المدى الطويل.
  • تقدير الذات اللحظي: وهو مرن ومتقلب، ويتغير باستمرار وفق المواقف الاجتماعية والتفاعلات اليومية.

وتركزت الدراسة على هذا النوع الثاني، حيث وجدت أن التستوستيرون يزيد من تأثر الرجال بالمواقف الاجتماعية، مما يجعلهم أكثر حساسية للقبول والرفض وأكثر عرضة لتقلبات داخلية سريعة في شعورهم بالثقة بالنفس.

كيف أُجريت الدراسة؟

شارك في الدراسة 120 رجلًا شابًا تتراوح أعمارهم بين 18 و26 عامًا. تم تقسيمهم إلى مجموعتين: الأولى تلقت جرعة من التستوستيرون عبر جل موضعي، بينما تلقت الثانية علاجًا وهميًا (بلاسيبو).
بعد ثلاث ساعات من تطبيق الجرعة، خضع المشاركون لاختبار اجتماعي مُعد مسبقًا، طُلب فيه من كل واحد منهم إنشاء ملف شخصي يُعرض – كما قيل لهم – على 184 شخصًا من الغرباء لتقييمه بشكل إيجابي أو سلبي.

في الواقع، كانت التقييمات مُبرمجة مسبقًا من قبل الباحثين، وقد تنوعت بين القبول والرفض. وبعد كل جولة من التغذية الراجعة، طُلب من المشاركين تقييم شعورهم تجاه أنفسهم، مما أتاح للباحثين تتبع تقلبات تقدير الذات بشكل حي.

 تفاؤل مفرط وتشاؤم حاد

كشفت النتائج أن المشاركين الذين تلقوا هرمون التستوستيرون أظهروا تفاؤلًا أكبر عندما توقعوا القبول، وتشاؤمًا أكبر عند توقع الرفض. كما ارتفعت لديهم مشاعر الثقة بالنفس بشكل ملحوظ مع الردود الإيجابية، لكنها انخفضت بشكل حاد مع الردود السلبية، مقارنة بالمجموعة التي تلقت العلاج الوهمي.

الأهم من ذلك، أن المشاركين تحت تأثير هرمون التستوستيرون أظهروا نشاطًا عصبيًا أعلى تجاه الفجوة بين توقعاتهم والنتائج الفعلية – وهي الظاهرة المعروفة في علم الأعصاب بـ"خطأ التنبؤ". وتشير هذه النتائج إلى أن أدمغتهم أصبحت أكثر يقظة واستجابة للتفاعل الاجتماعي في الزمن الحقيقي.

انعكاسات نفسية وعلاجية

تُظهر هذه الدراسة كيف يمكن للتغيرات الهرمونية أن تؤثر بعمق على الصحة النفسية، وتحديدًا على ثقة الرجال بأنفسهم. فالرجال الذين يعانون من تقلبات حادة في تقدير الذات يكونون أكثر عرضة للاكتئاب، القلق، وربما السلوكيات الانفعالية أو العدوانية.

ويقترح الباحثون أن الدمج بين العلاج الهرموني وبيئة اجتماعية داعمة، أو استخدام أساليب العلاج المعرفي التي تعتمد على التغذية الراجعة، يمكن أن يكون طريقًا واعدًا لتحسين الشعور بالثقة والرضا عن الذات لدى هؤلاء الرجال.

في زمن تتزايد فيه الضغوط النفسية والاجتماعية، تقدم هذه الدراسة رؤية جديدة لفهم التقلبات النفسية التي يمر بها كثير من الرجال. فالثقة بالنفس لم تعد مسألة صفات شخصية فقط، بل قد تكون مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بتفاعلات بيولوجية دقيقة تحدث في كل لحظة من حياتهم.

تم نسخ الرابط