عاجل

ما وضع مصر بعد تطور أساليب البحث العلمي ودور الذكاء الاصطناعي؟

الذكاء الاصطناعي
الذكاء الاصطناعي

يُعَدُّ البحث العلمي إحدى الركائز الأساسية لتقدم المجتمعات، وقد شهد تطورًا ملحوظًا في العقود الأخيرة، خاصةً مع دخول الذكاء الاصطناعي (AI) كأداة فاعلة تُسهم في تسريع وتيرة الاكتشافات وتحسين جودة النتائج، بينما تؤدي في الوقت نفسه إلى تسهيل حدوث التلاعب والتزييف والسرقات العلمية؛ الأمر الذي يستلزم تطوير وسائل التعامل مع هذه التقنيات بما يعظم فوائدها ويحد من أخطارها. 

في هذا التحليل الذي نشره المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، نستعرض تطور أساليب البحث العلمي، وكيف دعمها الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى التوجهات الحديثة في كشف وتدقيق الأبحاث العلمية المُنتَجة بواسطة الذكاء الاصطناعي، كما نلقي الضوء على التشريعات واللوائح القانونية لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي، مع التركيز على وضع مصر في هذا الشأن المهم.

تطور أساليب البحث العلمي ودور الذكاء الاصطناعي

شهدت أساليب البحث العلمي تطورًا كبيرًا بفضل التقدم التكنولوجي؛ حيث أصبح الباحثون يعتمدون على أدوات متقدمة لتحليل البيانات، ومحاكاة النماذج، والتنبؤ بالنتائج. وقد أسهم الذكاء الاصطناعي في تعزيز هذه الأساليب حسب Gitnux –وهي منصة ألمانية مرموقة لأبحاث السوق– والتي أوضحت من خلال تقريرها لعام 2025، أن 60% من المؤسسات البحثية في أوروبا قد دمجت أدوات الذكاء الاصطناعي في مختبراتها، وارتفع عدد المنشورات العلمية المدعومة بالذكاء الاصطناعي بنسبة 30% بين عامي 2019 و2023.

تعتمد الأبحاث العلمية المتطورة والمدعومة بأدوات الذكاء الاصطناعي على عدة أساليب، من أهمها:

تحليل البيانات الضخمة Big Data Analysis: تمكن الذكاء الاصطناعي من معالجة كميات هائلة من البيانات بسرعة ودقة؛ مما يساعد الباحثين على استخراج الأنماط والمعلومات المهمة. 

يعد مشروع Krafla Magma Testbed أحد أحدث الأمثلة على هذا التطبيق؛ حيث نجح من خلاله فريق علماء أكاديمية البحث العلمي في آيسلندا في تحسين التنبؤ بالثورات البركانية بعد أن قاموا بتحليل البيانات الضخمة للأنماط المعقدة في البيانات البركانية؛ مما ساعدهم على تحسين النماذج الفيزيائية لسلوك البراكين.

• التنبؤ بالنتائج Prediction: تُستخدم نماذج التعلم الآلي للتنبؤ بنتائج التجارب؛ مما يوفر الوقت والموارد.

مثال حديث على استخدام الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالنتائج في البحث العلمي هو مشروع “AlphaFold 3” الذي أطلقته شركة Google DeepMind الأمريكية في مايو 2024. يُعد هذا المشروع تطورًا كبيرًا في مجال التنبؤ بهياكل البروتينات؛ حيث يمكنه التنبؤ بتفاعلات البروتينات مع الحمض النووي والحمض النووي الريبي وجزيئات أخرى بدقة تصل إلى 65%، مقارنة بـ28% في النماذج السابقة.

تحسين تصميم التجارب: يساعد الذكاء الاصطناعي في تصميم تجارب أكثر فاعلية من خلال تحليل البيانات السابقة وتحديد المتغيرات الأكثر تأثيرًا.

أحد أهم أمثلة استخدام الذكاء الاصطناعي في تحسين تصميم التجارب العلمية هو مشروع Bio Discovery Agent، الذي قُدِّم في مايو 2024 بواسطة باحثين من جامعة ستانفورد بالولايات المتحدة. يهدف هذا النظام إلى تسريع اكتشافات البيولوجيا الجزيئية من خلال تصميم تجارب التعديل الجيني بشكل أكثر كفاءة وفاعلية.

التوجهات الحديثة في كشف وتدقيق الأبحاث العلمية المُنتَجة بواسطة الذكاء الاصطناعي

مع تزايد استخدام الذكاء الاصطناعي في إنتاج الأبحاث العلمية، ظهرت تحديات تتعلق بمصداقية هذه الأبحاث وأصالتها. لذلك، تم تطوير أدوات وتقنيات لكشف وتدقيق الأبحاث المُنتَجة بواسطة الذكاء الاصطناعي، مثل:

أدوات الكشف عن النصوص المُولَّدة آليًا: تُستخدم خوارزميات متقدمة لتحليل النصوص وتحديد ما إذا كانت قد كُتبت بواسطة الذكاء الاصطناعي.

التحقق من المصادر: يتم التحقق من صحة المصادر والمراجع المستخدمة في الأبحاث للتأكد من دقتها.

التدقيق الأخلاقي: يُراجع الباحثون الأبحاث للتأكد من التزامها بالمعايير الأخلاقية في البحث العلمي.

في يوليو 2023، أعلنت سبع شركات رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي —من بينها OpenAI، Google (Alphabet)، Meta، Amazon، Microsoft، Anthropic، وInflection — عن التزامات طوعية بالتعاون مع البيت الأبيض لتعزيز أمان وشفافية الذكاء الاصطناعي. شملت هذه الالتزامات تطوير أنظمة لوضع علامات مائية على المحتوى المُنتَج بواسطة الذكاء الاصطناعي، بهدف مساعدة المستخدمين على التعرف على هذا النوع من المحتوى.

بالإضافة لهذا، أطلقت شركة Google تقنية Synth-ID، وهي أداة لوضع علامات مائية غير مرئية على الصور والنصوص المُنتَجة بواسطة الذكاء الاصطناعي. في أكتوبر 2024، قامت Google بفتح مصدر هذه التقنية؛ مما يتيح للمطورين الآخرين استخدامها للكشف عن المحتوى المُنتَج بواسطة الذكاء الاصطناعي.

التشريعات واللوائح القانونية لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي

ظهرت الحاجة إلى وضع ضوابط وتشريعات أكثر دقة، لمساعدة الجامعات والجهات العلمية على ضبط وتحقيق الأبحاث العلمية والتأكد من مصداقيتها.

الولايات المتحدة

قُدِّم في عام 2024 مشروع قانون بعنوان “قانون الابتكار والمساءلة في الذكاء الاصطناعي” الذي يسعى لتحديد مسئوليات استخدام الذكاء الاصطناعي في القطاعات المختلفة، منها البحث العلمي.

بعض المعاهد مثل NIH (المعاهد الوطنية للصحة) بدأت تضع تعليمات للشفافية عند استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات.

الصين

أصدرت الصين في 2023 “التدابير المؤقتة لإدارة خدمات الذكاء الاصطناعي التوليدي”، والتي تُعد أول لائحة حكومية تنظم الذكاء الاصطناعي.

تضيف الحكومة الصينية طبقًا للائحة عدة مراحل من المراجعة والرقابة على أي أداة من أدوات الذكاء الاصطناعي تُستخدم في البحث؛ مما يعزز التحقق من النتائج والشفافية بكل تأكيد، لكن ربما تُبطئ هذه الإجراءات من وتيرة التجريب العلمي، وتحد من إمكانية التعاون المفتوح مع الباحثين الدوليين.

مصر

أطلقت مصر “الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي” في 2024، وتُركز على تطوير الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي، ودمجه في القطاعات الحيوية بما فيها التعليم والبحث العلمي.

لا توجد بعد تشريعات مُلزمة أو قوانين تنفيذية خاصة بالذكاء الاصطناعي في البحث العلمي.

لا يزال استخدام أدوات توليد النصوص مثل ChatGPT متاحًا دون تنظيم؛ مما يخلق تحديات في ضبط وتدقيق الرسائل الجامعية والمقالات.

وضع مصر والإجراءات المطلوبة للتطوير

تسعى مصر إلى تعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي من خلال مجهودات مستمرة تشمل:

تطوير البنية التحتية: توفير مراكز بحثية مجهزة بأحدث التقنيات.

تدريب الكوادر البشرية: تقديم برامج تدريبية للباحثين على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.

تشجيع التعاون الدولي: إقامة شراكات مع مؤسسات بحثية دولية لتبادل الخبرات.

وضع تشريعات واضحة: تطوير قوانين تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي، مع مراعاة الجوانب الأخلاقية.

مع الأخذ في الاعتبار بعض التوصيات العالمية مثل:

 ضرورة تضمين أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في المناهج الجامعية، وإنشاء منصات لمراجعة الأبحاث المنتجة باستخدام أدوات AI.

السعي إلى إنشاء هيئة مستقلة لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي.

في النهاية، يُعَدُّ الذكاء الاصطناعي أداة قوية تُسهم في تطوير البحث العلمي وتسريع وتيرته. ومع ذلك، من الضروري وضع تشريعات وتنظيمات تضمن الاستخدام الأمثل لهذه التكنولوجيا، مع الحفاظ على المعايير الأخلاقية. بالنسبة لمصر، فإن الاستثمار في البنية التحتية، وتدريب الكوادر، وتطوير التشريعات، يُعَدُّ من الخطوات الأساسية لتعزيز البحث العلمي المدعوم بالذكاء الاصطناعي.

تم نسخ الرابط