عاجل

هل يجوز شراء الأضحية بالتقسيط ؟ دار الإفتاء توضح الحكم

الاضحية
الاضحية

مع اقتراب موسم عيد الأضحى المبارك، طرح عدد من المواطنين تساؤلات حول حكم شراء الأضحية بنظام التقسيط، وهل يؤثر ذلك على صحة الأُضحية أو يُنقص من أجر المضحي
وفي هذه المسألة أجابت دار الإفتاء أنه يجوز شرعًا شراءُ الأضحية بالتقسيط مِن التاجر مباشرةً أو عن طريق الصَّك، بشرط أن يكون الثمنُ والأجَلُ معلومَيْن عند العقد، ولا يتنافى هذا الشراء مع شرط مِلْك المضحي للأضحية قبل الذبح، بل تدخل الأضحية في ملك المضحي بمجرد استلامها من التاجر أو استلام مُصْدِرِ الصَّك لها.

بيان المقصود بالأضحية وفضلها


الأضحية: اسمٌ لما يُذْبَحُ مِن الإبل والبقر والغنم في أوقاتٍ مخصوصةٍ تقربًا إلى الله تعالى، وهي إحدى شعائر الإسلام، وأعظم الأعمال يوم النحر وأحبها إلى الله تعالى؛ فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أَن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَإنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الْأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا» أخرجه الأئمة: الترمذي -واللفظ له- وابن ماجه والبيهقي في "السنن"، والحاكم في "المستدرك" وصححه.

والأصل في مشروعيتها مِن الكتاب: قول الله تعالى في مُحكَم التنزيل: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ۝ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 1- 2].

ومِن السُّنَّة: ما أخرجه الإمامان البخاري ومسلم في "صحيحيهما" عن أنس رضي الله عنه قال: «ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى، وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا».

الأضحية
الأضحية

 

هل يُشترط في الأضحية أن تكون مملوكةً للمضحي قبل الذبح؟


قد اتفق الفقهاء على أنه يُشترط في الأضحية أن تكون مملوكةً للمضحي قبل الذبح؛ لأنَّها قُرْبَةٌ ماليَّةٌ، فلا يَصِحُّ أداؤها بلا مِلْكٍ؛ كما في "البناية" للإمام بدر الدين العَيْنِي الحنفي (12/ 4، ط. دار الكتب العلمية)، و"حاشية الإمام الصَّاوِي المالكي على الشرح الصغير" ، و"تحفة المحتاج في شرح المنهاج" لشيخ الإسلام ابن حَجَرٍ الهَيْتَمِي الشافعي ، و"الإنصاف" للإمام علاء الدين المَرْدَاوِي الحنبلي .

والأصل في المِلْك أن يكون تامًّا، ويتحقق ذلك في الأضحية باجتماع المِلْكِ مع اليَدِ (الحيازة)، بحيث تكون مملوكةً للمضحي -أو المُضَحِّين إذا كانت الأضحيةُ مِن البقر أو الإبل واشترك فيها سبعةٌ فمَن دونهم- دون أن يتعلق بعينها استحقاقٌ للغير.

قال الإمام أبو بكر الحَدَّادِي في "الجوهرة النيرة": [المِلْكُ التامُّ: هو ما اجتمع فيه المِلْكُ واليَدُ] اهـ.

وقال الإمام برهان الدين ابن مُفْلِح في "المبدع"  نقلًا عن الإمام أبي المَعَالِي ابن المُنَجَّى: [المِلْكُ التامُّ: عبارةٌ عمَّا كان بيده، لَم يتعلق فيه حقُّ غيره، يَتصرف فيه على حسب اختياره، وفوائدُه حاصلةٌ له] اهـ.

وقد أجمع الفقهاء على أنَّ شراء الأعيان مع تقسيط ثَمَنِهَا المعلومِ المتَّفَق عليه إلى أجلٍ معلومٍ عند العقد -جائزٌ شرعًا، ويكون البيع لازمًا.

قال الإمام ابن القَطَّان في "الإقناع في مسائل الإجماع" : [أجمع أهلُ العلمِ أنَّ مَنْ باعَ معلومًا مِن السلعِ بمعلومٍ مِن الثمن إلى أجلٍ معلومٍ مِن شهور العرب، أو لأيامٍ معروفةِ العَدَد، أنَّ البيع جائزٌ لازمٌ] اهـ.


مِن صُوَر هذا البيع: ما يَحدث مِن شراء المضحي الأضحيةَ بتقسيط ثمنها المتَّفَق عليه بين البائع والمشتري عند الشراء، مع تسلُّم المشتري لها مِن البائع، وذبحِها قبل سداد باقي الأقساط، وهو بيعٌ صحيحٌ شرعًا، ولا يتنافى مع اشتراط مِلْك المشتري للأضحية قبل الذبح، حيث يَثبُتُ مِلْكُ المضحي للأضحية بمجرد تَسَلُّمِهَا وقَبْضِهَا مِن البائع، ولا يتوقف تمام المِلْك على سداد كامل ثَمنها بدَفْع آخِر قسطٍ مِنه؛ لأن "المشتري بالقبض صار مالكًا المبيعَ"، كما قال شمس الأئمة السَّرَخْسِي في "المبسوط" ، وأما باقي الثمن فهو مضمونٌ في ذمة المشتري، ولا يمنع مِن تمام المِلك كما سبق بيانه.

ولا فَرْقَ في هذا الحُكم بين كون الشراء بالتقسيط مع البائع أو عن طريق الصكوك؛ لاتحاد صورتهما، ولكون المضحي في الصورتَيْن أصيلًا في المِلْكِ، إلا أنه في المعاملة مع البائع مُشْتَرٍ بنفسه، وفي الصك: مُشْتَرٍ بالوكالة، وهي جائزةٌ في النيابة عن المضحي في شراء الأضحية وذبحها وتوزيعها؛ "لأنها قُربةٌ تتعلقُ بالمالِ فتجزئُ فيها النيابة، كأداء الزكاة وصدقة الفطر، ولأنَّ كلَّ أَحَدٍ لا يَقدِرُ على مباشرة الذَّبْحِ بنَفْسه، خصوصًا النساء، فلو لَم تَجُزْ الِاستنابة لَأَدَّى إلى الحَرَج"، كما قال الإمام علاء الدين الكاساني في "بدائع الصنائع" 

وقد ثبت أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وَكَّل في شراء الأضحية وذبحها، فعن عُرْوَةَ البَارِقِي رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ «أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاةً، فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، وَجَاءَهُ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، وَكَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ» أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «كَانَتْ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي أَتَى بهِ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنَ الْيَمَنِ، وَالَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِائَةً، فَنَحَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ ثَلَاثَةً وَسِتِّينَ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ، وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ» أخرجه الإمامان أحمد وأبو يَعْلَى في "مسنديهما".

ولا يُشترط لِمَا بيَّنَّاه مِن لُزوم تمام مِلْكِ المضحي للأضحية قبل ذبحها أن يقَبِضَها بنَفْسه ويَحُوزَهَا، وذلك في صورة الشراء بالتقسيط عن طريق الصَّك، إذ المِلْكُ حاصلٌ للمضحي وثابتٌ له بمجرد قَبْضِ مُصْدِرِ الصَّك للأضحية؛ لأن قَبْضَ الوكيل بمنزلة قَبْضِ الموكِّل، والوكيل في القَبْضِ عاملٌ لِمُوَكِّلِهِ، ويده في حق المعقود عليه يد أمانةٍ ونيابةٍ. ينظر: "المحيط البرهاني" للإمام برهان الدين ابن مَازَه الحنفي ، و"منح الجليل" للشيخ عِلِيش المالكي (5/ 247، ط. دار الفكر)، و"المجموع" للإمام النووي الشافعي ، و"كشاف القناع" للإمام أبي السعادات البُهُوتِي الحنبلي (3/ 266، ط. دار الكتب العلمية)

تم نسخ الرابط