عادات الحياة اليومية قد تدمّر صحتنا النفسية والعقلية: دراستان تحذّران

تشير دراستان علميتان حديثتان إلى أن نمط الحياة اليومية الذي نمارسه منذ الصغر، والجلوس لفترات طويلة في مرحلة البلوغ، قد يحملان مخاطر صحية ونفسية كبيرة قد لا نتنبه لها إلا في وقت متأخر، فبينما تحذر دراسة فنلندية من تأثير العادات اليومية في الطفولة على الصحة النفسية في سن المراهقة، تكشف دراسة أميركية عن علاقة مباشرة بين الجلوس المطول وتقلص حجم الدماغ وزيادة خطر الإصابة بالزهايمر، حتى لدى الأشخاص الذين يمارسون الرياضة بانتظام.
عادات الطفولة تشكّل مستقبل المراهقين النفسي
أظهرت دراسة أجراها باحثون من فنلندا، ونُشرت نتائجها في دورية JAMA Network Open، أن الأطفال الذين يتبعون أنماط الحياة اليومية — تشمل التغذية السليمة، النشاط البدني المنتظم، النوم الكافي، وتقليل استخدام الشاشات — يتمتعون بصحة نفسية أفضل عند بلوغهم سن المراهقة.
وقد تابع الفريق البحثي أكثر من 8 سنوات مجموعة من الأطفال تتراوح أعمارهم بين 6 و9 سنوات، ليكتشفوا أن السلوكيات الصحية في سن مبكر تُعد عامل حماية فعّال ضد أعراض الاكتئاب، القلق، والتوتر النفسي.
وأظهرت النتائج أن الأطفال الذين كانوا يمارسون الرياضة بانتظام، حتى وإن كانت ألعابًا حرة أو غير منظمة، سجلوا معدلات أقل بكثير من الاضطرابات العاطفية عند سن 14 عاماً. هذا التأثير الإيجابي يعود – بحسب الباحثين – إلى تنظيم كيمياء الدماغ عبر النشاط الحركي، بما في ذلك هرمونات السعادة مثل الإندورفين والسيروتونين.
وقت الشاشة قد يسرق صحة الأطفال النفسية
في المقابل، كشفت الدراسة أن الإفراط في استخدام الشاشات لأغراض ترفيهية يرتبط بزيادة مشاعر القلق والحزن، خاصة عندما يؤثر ذلك على جودة النوم أو يقلل من وقت ممارسة الرياضة، وأوصى الباحثون بوضع حدود واضحة للاستخدام الترفيهي للأجهزة الإلكترونية، واستبدالها بأنشطة منزلية أو خارجية تفاعلية.
حجر الأساس لصحة الطفل النفسية
وبحسب النتائج، فإن الأطفال الذين ينامون لساعات كافية وبنمط منتظم يكونون أقل عرضة لمواجهة تحديات عاطفية، كما أن نوعية الطعام الذي يتناولونه تؤثر بشكل مباشر على مزاجهم وقدرتهم على التفكير، وتبين أن الأنظمة الغذائية الغنية بالخضراوات والفواكه والحبوب الكاملة تدعم التوازن النفسي للأطفال، فيما تؤدي الوجبات عالية الدهون والسكر إلى نتائج عكسية.
الجلوس الطويل يسبب انكماش الدماغ
وفي سياق متصل، دقّت دراسة أخرى ناقوس الخطر بشأن الآثار العصبية السلبية للجلوس المطول، حتى في ظل الالتزام بالأنشطة الرياضية، الدراسة التي نُشرت في مجلة Alzheimer’s & Dementia، تابعت أكثر من 400 شخص تجاوزوا سن الخمسين على مدار سبع سنوات، مستخدمةً أجهزة لقياس النشاط البدني وتحليلات دماغية دورية.
النتائج كانت صادمة: المشاركون الذين أمضوا أوقاتاً طويلة في الجلوس أظهروا علامات انكماش في حجم المخ، وضعف في الذاكرة وتراجع في القدرات المعرفية، بالرغم من أن غالبيتهم كانوا يلتزمون بالتوصيات العالمية لممارسة التمارين البدنية.
الجلوس خطر مستقل
وقال رئيس فريق الدراسة من جامعة "فاندربيلت" الأميركية إن “الجلوس المستمر قد يُعد عامل خطر مستقل يؤدي إلى تراجع وظائف الدماغ، مما يزيد من احتمالية الإصابة بالزهايمر في مراحل لاحقة”، وأوصى الباحثون بضرورة إدماج فترات من الوقوف أو الحركة البسيطة خلال الحياة اليومية، خاصة في بيئات العمل المكتبية.
الوقاية تبدأ من الروتين اليومي
تشير الدراستان إلى حقيقة لا جدال فيها: بناء روتين صحي ومتوازن منذ الطفولة، والتقليل من نمط الحياة الخامل في البلوغ، يشكلان خط دفاع قوي في مواجهة التدهور النفسي والمعرفي.
من المهم أن يدرك الأهل والمربّون أن الأمر لا يتطلب تغييرات جذرية، بل تحسينات بسيطة في نمط الحياة اليومية مثل تقليل وقت الشاشة، تشجيع اللعب والنشاط، المحافظة على ساعات نوم كافية، والتغذية المتوازنة.
أما البالغون، فبحاجة إلى كسر فترات الجلوس الطويل من خلال أنشطة قصيرة ومتكررة أثناء اليوم، كالمشي أو التمدد بين الحين والآخر.
الصحة النفسية والعقلية لا تتشكل بين ليلة وضحاها، بل هي نتاج نمط الحياة اليومية متراكم منذ الطفولة وحتى الشيخوخة. والوقاية تبدأ اليوم