من الغرب إلى مصر.. عندما يتحول الكلب "رفيقك الأليف" إلى خطر

شهدت منطقة الشيخ زايد بمحافظة الجيزة حادث مؤلم أعاد النقاش حول مكانة الكلب في الحياة اليومية، فقد تعرض نجل الفنانة زينة لهجوم شرس من كلب داخل ملعب كرة قدم، أدى إلى إصابات بالغة في ساقه بعد أن طارده الكلب حتى أسقطه أرضًا وعقره.
وبينما يثير هذا الحادث الرعب في الشارع المصري حول سلامة الأطفال من الكلاب الضالة أو المدربة بشكل خاطئ، فإن في الضفة الأخرى من العالم، وتحديدًا في الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا وكندا، ترتبط الكلاب بجدل مختلف كليًا:
هل أصبحت الكلاب “بديل شعوري واجتماعي” عن الأطفال؟
وفقا لتقرير نشره موقع ساينس الأرت وفي مراجعة بحثية حديثة أجراها خبيران في علم الأخلاق من جامعة “إيتفوس لوراند” بالمجر، فإن ملكية الكلاب ترتفع بشكل مطرد في المجتمعات الغربية بالتزامن مع انخفاض معدلات المواليد.
فحوالي ثلث إلى نصف الأسر الغربية تمتلك كلب واحد على الأقل، بينما تتراجع الخصوبة إلى أقل من 1.6 طفل للمرأة الواحدة.
وبينما يرى البعض أن الكلاب أصبحت تعامل كأبناء بديلين، فإن الدراسة تؤكد أن هذا التعميم غير دقيق.. تقول الباحثة لورا جيليت:
“الكلاب لا تحل محل الأطفال، لكن وجودها بات يغني عاطفيا عن بعض الحاجات الاجتماعية ”.
فالضغوط الاقتصادية والنفسية، والخوف من المستقبل، وتكاليف تربية الأطفال (التي ارتفعت في أميركا بنسبة 35.7% خلال عامين فقط)، كلها عوامل تدفع الشباب نحو “الكلب” بدل “الرضيع”.
جوجو وكابتن جاك: رموز التحول الحضاري
في شوارع لندن ونيويورك وباريس، لم تعد رؤية كلب يرتدي معطفًا فخم أو يدفع في عربة أطفال أمر نادر. بل أصبحت أسماء مثل “جوجو” (بيشون فريزي يشرب الجعة) و”كابتن جاك” (بولدوج يرتدي الكاروهات) رموزًا ثقافية لجيل الألفية، الذي يعيد رسم خريطة العلاقات الأسرية خارج النمط التقليدي.
ورغم الهالة الإعلامية، يشير الباحثون إلى أن معظم أصحاب الكلاب لا يعاملونها كأبناء فعليين، بل يختارونها لأنها توفر رابطة وجدانية دون أعباء الوالدية الكاملة.
عندما تتحول الكلاب من رفقاء إلى تهديدات
لكن في المقابل، فإن حوادث مثل ما جرى لنجل زينة تفتح ملف شائك في العالم العربي، حيث ما زالت التشريعات المتعلقة بملكية الكلاب وضبط سلوكها غير صارمة. فبينما ينظر في الغرب إلى الكلاب كأعضاء في الأسرة، فإن في مجتمعاتنا ما زال الوعي المجتمعي حول سلامة الآخرين، خاصة الأطفال، بحاجة إلى تعزيز كبير.
الاعتناء بالكلب لا يقتصر على الطعام والرعاية، بل يشمل التدريب، ضبط السلوك، وعدم تعريض الآخرين للخطر. وهنا تبرز فجوة ثقافية خطيرة بين “حب الحيوانات” و”المسؤولية القانونية والاجتماعية”.
الكلاب ليست أطفال… لكنها تؤدي دور مشابه أحيانًا
سواء في الغرب أو الشرق، فإن الكلاب باتت أكثر من مجرد حيوانات أليفة. هي مرآة لتغيرات عميقة في البنية الاجتماعية، وتعبير عن الحاجة إلى الرعاية والارتباط العاطفي.
لكن الحوادث المؤلمة، مثل هجوم الكلب على طفل في الشيخ زايد، تذكّرنا أن هذا الارتباط يجب أن يبنى على وعي ومسؤولية وتشريعات تحمي الجميع.
فالكلاب لا تحل محل الأطفال، لكنها تسكن فراغات ناتجة عن تحولات اقتصادية وثقافية. وفي عالم يتغير بسرعة، فإن الرعاية لا تنحصر في البيولوجيا، بل تتجلى في كل علاقة نبنيها… حتى مع من لا يتحدثون لغتنا.