هل يجوز رد السلام أثناء الصلاة؟.. دار الإفتاء توضح الحكم الشرعي

في إطار الأسئلة المتكررة من المصلين بشأن ما يقال أو يُفعل أثناء الصلاة، أصدرت دار الإفتاء المصرية توضيحًا حول حكم ردّ السلام أثناء الصلاة بأن:
الصلاة ركنٌ عظيم مِن أركان الإسلام فيها مناجاةُ العبد لربِّه، وإقامَتُه لذكرِه جَلَّ وَعَلَا، قال الله تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: 14].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «قَالَ اللهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ.. الحديث» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
والأصل أن الدخولَ في الصَّلاة بتكبيرة الإحرام يمنع مِن التلفظ بكلام الناس؛ لقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمعاوية بن الْحَكَمِ السُّلَمِي رضي الله عنه: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
وقد أجمع الفقهاء على أن الكلام في الصلاة عمدًا لغير إصلاح الصلاة ينقضها، كما في "مراتب الإجماع" للإمام ابن حزم ، و"المجموع" للإمام النووي فلو ردَّ المصلي السَّلام باللفظ بَطَلت صلاته بالاتفاق.
حكم رد السلام بالإشارة أثناء الصلاة
أما ردُّ السلام بالإشارة أثناء الصلاة -كما هي مسألتنا- فقد أجمع الفقهاء على أنه غير مفسدٍ للصَّلاةِ ويجزئ عن ردِّ السلام، كما في "التمهيد" . ، و"الاستذكار" كلاهما للإمام ابن عبد البَرِّ؛ لأنَّ الإشارَة ما هي إلا حركةُ عضوٍ هو اليد، وحركة الأعضاء غير اليدِ في الصلاة لا تقطع الصلاة أو تبطلها، فكذلك حركة اليدِ، كما في "شرح معاني الآثار" للإمام الطَّحَاوِي (1/ 454، ط. عالم الكتب).

سبب اختلاف الفقهاء في حكم الإشارة لرد السلام أثناء الصلاة
مع اتفاق الفقهاء على عدمِ فساد الصلاةِ إلا أنهم اختلفوا في حكم الإشارة لردِّ السلام بين الوجوب والندب والكراهة، وسبب اختلافهم في ذلك ورُود الأمرين عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد ورد أنه تَرَكَ ردَّ السلام حال صلاته، كما ورد أيضًا أنه صلى الله عليه وآله وسلم أشار بيده ردًّا للسلام.
فعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَيَرُدُّ عَلَيْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا، وَقَالَ: «إِنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا» متفقٌ عليه. وترك الردِّ مطلقًا يشمل اللَّفظ والإشارة.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنِي لِحَاجَةٍ، ثُمَّ أَدْرَكْتُهُ وَهُوَ يَسِيرُ -قَالَ قُتَيْبَةُ: يُصَلِّي- فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَأَشَارَ إِلَيَّ، فَلَمَّا فَرَغَ دَعَانِي فَقَالَ: «إِنَّكَ سَلَّمْتَ آنِفًا وَأَنَا أُصَلِّي»، وَهُوَ مُوَجِّهٌ حِينَئِذٍ قِبَلَ الْمَشْرِقِ. أخرجه الإمام مسلمٌ في "صحيحه".
وعن صُهَيْبٍ رضي الله عنه قال: مَرَرْتُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ إِلَيَّ إِشَارَةً. أخرجه الإمام الترمذي في "سننه" وقال: "لَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: "إِشَارَةً بِإِصْبَعِهِ"، وَفِي البَابِ عَنْ بِلَالٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٍ، وَعَائِشَةَ رضي الله عنهم".
مذاهب الفقهاء في حكم الإشارة لرد السلام أثناء الصلاة
ذهب الحنفية وأحمد في روايةٍ إلى كراهةِ إشارةِ المصلي بيده لردِّ السلامِ؛ لحديث ابن مسعود رضي الله عنه المتقدم، ولأنه بتحريك يده في الإشارة يخالف السُّكونَ المأمورَ به في الصلاةِ، فعن جابر بن سَمُرَة رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟ اسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
قال الإمام عَلَاءُ الدِّينِ الكَاسَانِي الحنفي في "بدائع الصنائع" : [ولا ينبغي للرَّجل أن يُسلِّم على المصلي، ولا للمصلي أن يردَّ سلامَه بإشارةٍ ولا غير ذلك.. لما روينا مِن حديث عبد الله بن مسعودٍ، وفيه أنه لا يجوز الرَّد بالإشارةِ؛ لأنَّ عبد الله قال: "فَسَلَّمتُ عَلَيهِ فَلَم يَرُدَّ عَلَيَّ" فيتناول جميع أنواع الرَّد، ولأنَّ في الإشارةِ تركَ سُنَّةِ اليدِ وهي الكَفُّ.. ولو ردَّ بالإشارة لا تَفسُد؛ لأنَّ ترك السُّنَّةِ لا يُفسِد الصَّلاة، ولكن يُوجِب الكراهةَ] اهـ.
وقال الإمام برهان الدين ابن مَازَه الحنفي في "المحيط البرهاني" : [وإذا سلَّم إنسانٌ على المصلي فردَّ السَّلام بالإشارة باليد أو بالرَّأس أو بالأصبع لا تفسد صلاته] اهـ.
وقال الإمام ابن مُفلِحٍ الحنبلي في "الفروع" فيما لا بأس بهِ في الصَّلاةِ للحاجَةِ : [وردُّ السَّلامِ إشارةً.. وعنه: يُكرَه] اهـ.
وذهب المالكية في الأظهر إلى بقاء ردِّ السلام على أصله مِن الوجوبِ، فيرد المصلي إشارةً على مَن سلَّم عليه أثناء الصلاة، ووجه ذلك: الأمر المطلق بردِّ التحية، الثابت بقول الله عز وجل: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء: 86]، فأفاد الوجوب المطلق، ولم تخصِّصه الآثار الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المسألة؛ لتعارضها، فبقي حكم الردِّ على أصله مِن الوجوب، وقد حُكي عن فقهاء الشافعية مثل هذا القول، وهو رواية عن الإمام أحمد.
قال الإمام شمس الدين الحَطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" : [كان مالكٌ لا يرى بأسًا أن يردَّ الرَّجلُ إلى الرَّجلِ جوابًا بالإشارةِ في الصَّلاة، وأن يردَّ إشارة على مَن سلَّم عليه، ولم يكره شيئًا مِن ذلك، وقد رَوى عنه زيادٌ أنه كرِه أن يسلَّم على المصلي وأن يردَّ المصلي على مَن سلَّم عليه إشارة برأسٍ أو بيدٍ أو بشيءٍ، والحجَّة لهذه الرواية "أن ابن مسعود رضي الله عنه سلَّم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يصلي فلم يرد عليه"، والأظهر مِن القولين عند تعارض الأثرين وجوبُ ردِّ السَّلام إشارةً] اهـ.
وذهب الشَّافعيَّة والحنابلة إلى استحبابِ ردِّ المصلي السلام بالإشارةِ، وهو المرجُوح عند المالكيَّة، وممن قال به مِن الصحابة: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهم، وهو قولُ جمهور العُلمَاءِ.
قال الإمام ابن عبد البَرِّ المالكي في "الاستذكار": [وأكثرهم يجيزون ردَّ السلام إشارةً باليد للمصلي] اهـ.
وقال الإمام النَّوَوِي الشافعي في "المجموع": [مذهبنا: لا يجوز أن يُردَّ باللفظ في الصلاة، وأنه لا يجب عليه الردُّ، لكن يُستحَبُّ أن يردَّ في الحال إشارةً، وإلا فبعد السَّلام لفظًا؛ بهذا قال ابنُ عُمرَ، وابنُ عبَّاس رضي الله عنهم، ومالك، وأحمد، وإسحاق، وجمهور العلماء] اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن حَجَرٍ الهَيْتَمِي الشافعي في "تحفة المحتاج": [ويُسنُّ لمصلٍّ عطس أو سُلِّمَ عليه أن يحمد بحيث يسمع نفسه، وأن يَرُدَّ السَّلام بالإشارةِ باليد أو بالرأس، ثمَّ بعد سلامِه منها باللفظ] اهـ.
وقال الحافظ العراقي في "طرح التثريب" : [أكثرُ العلماء مِن السَّلَف والخَلفِ على جواز الإشارةِ في الصَّلاةِ، وأنَّها لا تَبطُل بها ولو كانت مُفهِمَةً، وبهذا قال مالكٌ، والشافعيُّ، وأحمدُ، وقد وردَ في الإشارة في الصَّلاةِ أحاديثُ تكاد أن تبلُغَ حدَّ التواتر] اهـ.