دعوة نزع سلاح الأكراد.. فرصة تجديد السلام بين تركيا وحزب العمال الكردستاني

منذ أكثر من أربعين عامًا، انخرطت تركيا في صراع مسلح مع حزب العمال الكردستاني، وهي جماعة مسلحة تسعى إلى الحصول على حقوق أكبر للأقلية الكردية في البلاد.
أودى التمرد المطول بحياة أكثر من 40 ألف شخص، بما في ذلك هجمات حزب العمال الكردستاني على أهداف عسكرية ومدنية تركية، فضلاً عن العمليات العسكرية لأنقرة ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني وأنصارهم.
الآن، وفي تحول مهم محتمل، دعا مؤسس حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، أتباعه إلى نزع السلاح. ولا يزال من غير المؤكد مدى الاستجابة لهذه الدعوة، وما إذا كانت تركيا على استعداد لتقديم أي تنازلات في المقابل.
أصول وتطور حزب العمال الكردستاني
وفقا لتقرير نيويورك تايمز، تأسس حزب العمال الكردستاني في أوائل الثمانينيات، وسعى في البداية إلى استقلال السكان الأكراد في تركيا، الذين يقدر عددهم بنحو 15٪ أو أكثر من إجمالي سكان البلاد.
وبدأت الجماعة تمردها في المناطق الشرقية والجنوبية من تركيا، حيث هاجمت القواعد العسكرية ومراكز الشرطة. وبمرور الوقت، انتشر الصراع، بما في ذلك التفجيرات المدمرة في المدن التركية التي أودت بحياة العديد من المدنيين.
عام 1999، ألقت القوات الخاصة التركية القبض على أوجلان، الذي أدين بقيادة منظمة إرهابية وحُكم عليه بالإعدام. ثم خُفِّفَت عقوبته لاحقًا إلى السجن مدى الحياة. ومنذ ذلك الحين، حوَّل أوجلان الموقف الأيديولوجي لحزب العمال الكردستاني بعيدًا عن الاستقلال الكامل نحو حقوق كردية أكبر داخل تركيا.
على مدى العقد الماضي، حققت تركيا مكاسب عسكرية كبيرة ضد حزب العمال الكردستاني، حيث طردت الجماعة من المدن الكردية في جنوب شرق تركيا واستخدمت ضربات الطائرات بدون طيار لاستهداف قيادتها ومقاتليها.
على الرغم من استمرار هجمات حزب العمال الكردستاني بشكل متقطع، إلا أنها تضاءلت إلى حد كبير بسبب جهود تركيا لمكافحة التمرد.
الشعب الكردي ونضالاته السياسية
لطالما سعى الأكراد، وهم مجموعة عرقية يبلغ تعدادها حوالي 40 مليون شخص منتشرين في تركيا وإيران والعراق وسوريا، إلى الحصول على قدر أكبر من الحكم الذاتي والحقوق. على الرغم من اندلاع العديد من الانتفاضات الكردية في المنطقة، إلا أنهم واجهوا تاريخيًا قمع الدولة للغتهم وثقافتهم.
في سوريا، تسيطر قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد على شمال شرق البلاد. ولعبت قوات سوريا الديمقراطية، التي لها علاقات بحزب العمال الكردستاني، دورًا رئيسيًا في هزيمة داعش بدعم من الولايات المتحدة.
مع ذلك، ومع الإطاحة الأخيرة بالزعيم السوري بشار الأسد، لا يزال وضع قوات سوريا الديمقراطية في سوريا غير مؤكد، حيث تتنقل بين التوترات مع الميليشيات المدعومة من تركيا والحكومة السورية الجديدة.
وفي العراق، تمتعت المنطقة الكردية بدرجة من الحكم الذاتي منذ عام 1991. تتمركز قيادة حزب العمال الكردستاني الآن في جبال قنديل العراقية، لكن تركيا استهدفت بشكل متزايد الجماعات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني في كل من العراق وسوريا بينما ضغطت على الحكومة العراقية لطرد المسلحين.
جهود السلام السابقة وانهيارها
جرت عدة محاولات للسلام، بدءاً بوقف إطلاق النار عام 1993. ومع ذلك، فشلت كل الجهود في نهاية المطاف، مما أدى إلى المزيد من التصعيد في العنف. في عام 2011، انخرط مسؤولون استخباراتيون أتراك في محادثات مباشرة مع أوجلان في السجن، وناقشوا خطة لنزع سلاح حزب العمال الكردستاني. عمل الساسة الأكراد كوسطاء بين أوجلان وزعماء حزب العمال الكردستاني في العراق.
لكن بحلول عام 2015، انهارت جهود السلام، وعاد الصراع بكثافة غير مسبوقة. وتقدر مجموعة الأزمات الدولية أنه منذ انهيار محادثات السلام، لقي أكثر من 7000 شخص حتفهم في اشتباكات متجددة.
آفاق السلام الدائم
ولا تزال تركيا تنظر إلى حزب العمال الكردستاني باعتباره منظمة إرهابية لا تمثل الشعب الكردي. ولكن في السنوات الأخيرة، اعترفت الحكومة ببعض الانتهاكات التاريخية لحقوق الأكراد وأدخلت إصلاحات ثقافية ولغوية محدودة. والآن أصبح البث التلفزيوني والإذاعي باللغة الكردية مسموحا به، كما أصبحت اللغة الكردية متاحة كمقرر اختياري في بعض المدارس.
وفي الوقت نفسه، شنت الحكومة التركية حملة صارمة على التمثيل السياسي المؤيد للأكراد. فمنذ عام 2015، تم عزل أكثر من 150 رئيس بلدية كرديا منتخبا من مناصبهم، ويواجه العديد منهم اتهامات تتعلق بالانتماء إلى حزب العمال الكردستاني. وقد أدانت هيومن رايتس ووتش هذه الإقالات باعتبارها ذات دوافع سياسية وانتهاكا لحقوق الناخبين.
وفي حين تمثل دعوة أوجلان الأخيرة لنزع سلاح حزب العمال الكردستاني فرصة محتملة لتجديد محادثات السلام، فإنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت رسالته ستجد صدى لدى مقاتلي حزب العمال الكردستاني على الأرض.
وأشار البعض داخل المجموعة إلى أنهم لن يفكروا في نزع السلاح ما لم يتم إطلاق سراح أوجلان من السجن، وهو الشرط الذي من غير المرجح أن تقبله تركيا.