عاجل

دراسة تكشف: العطور تخل بنظام الجسم الوقائي وتلوث الهواء المحيط بنا

استخدام العطور
استخدام العطور

في زمن تتزايد فيه معدلات استخدام العطور ومنتجات العناية الشخصية المعطرة، كجزء من الروتين اليومي لدى الملايين حول العالم، جاءت دراسة علمية حديثة لتكشف جانبًا خفيًا وغير متوقع لتأثير هذه الروائح الجميلة على صحة الإنسان والبيئة المحيطة به.

الدراسة التي نُشرت في مجلة Science Advances العلمية المرموقة، وأجراها باحثون من جامعة كاليفورنيا بالتعاون مع معهد ماكس بلانك للفيزياء الكيميائية في ألمانيا، سلطت الضوء على نظام دقيق ومعقد يُعرف علميًا باسم "مجال الأكسدة"، وهو سحابة غير مرئية تحيط ببشرة الإنسان وتؤدي وظيفة بيئية وصحية غاية في الأهمية.

ما هو "مجال الأكسدة"؟

تشير الدراسة إلى أن جسم الإنسان لا يُحيط به فقط الهواء الذي نتنفسه، بل تحيط به أيضًا "سحابة كيميائية" صغيرة تتشكل نتيجة تفاعل الجزيئات الموجودة على سطح الجلد مع مكونات الهواء، لا سيما غاز الأوزون، هذه التفاعلات تُنتج جزيئات تُعرف باسم جذور الهيدروكسيل (OH)، وهي جزيئات شديدة النشاط تُعرف في الأوساط العلمية بـ "منظفات الجو".

إحدى المواد الأساسية التي تدخل في هذه التفاعلات هي السكوالين، وهو مركب طبيعي موجود في الزيوت التي تُفرزها البشرة، ويُعتبر أساسيًا في الحفاظ على مرونة الجلد ونضارته، عندما يتفاعل السكوالين مع الأوزون الموجود في الهواء، تنشأ تفاعلات كيميائية معقدة تُنتج هذه الجذور، التي تعمل على تنظيف الهواء من الملوثات والجزيئات الضارة.

كيف تتداخل العطور مع هذه السحابة؟

رغم أن رائحة العطور تُشعرنا بالانتعاش والجاذبية، فإن الدراسة تُحذر من أن بعض المركبات الكيميائية في العطور والكريمات المعطرة يمكن أن تتفاعل مع هذه السحابة الواقية، وتؤدي إلى تعطيل وظيفتها الحيوية، إذ إن تلك المركبات تستهلك أو تُثبط نشاط جذور الهيدروكسيل، مما يُضعف قدرة هذا المجال على تنظيف الهواء حول الإنسان من الملوثات.

وبالتالي، فإن الأشخاص الذين يستخدمون العطور بشكل مفرط، خصوصًا في الأماكن المغلقة أو ذات التهوية الضعيفة، قد يُعرضون أنفسهم إلى بيئة أقل نقاءً مما يظنون، بسبب انخفاض كفاءة السحابة الواقية الطبيعية التي يُنتجها الجسم.

هل العطور ضارة بحد ذاتها؟

يؤكد الباحثون في دراستهم أن العطور في حد ذاتها ليست مواد سامة أو خطرة مباشرة على الصحة عند استخدامها بشكل معتدل، لكنهم يلفتون الانتباه إلى أن تفاعلها مع "مجال الأكسدة" حول الجسم قد يُغير من الديناميكيات الكيميائية في الهواء المحيط. هذا التغيير، وإن لم يكن ملموسًا على الفور، إلا أنه قد يُؤثر مع الوقت على نوعية الهواء الذي يستنشقه الإنسان باستمرار.

تأثيرات أوسع على جودة الهواء الداخلي

في سياق متصل، ترى الدراسة أن هذا الاكتشاف يُسلّط الضوء على أهمية إعادة النظر في مكونات المنتجات التي نستخدمها يوميًا، خاصة في البيئات المغلقة مثل المنازل والمكاتب، حيث تتراكم الروائح والمركبات المتطايرة بشكل أكبر، وقد تُساهم هذه المركبات، عند تفاعلها مع الأوزون، في إنتاج مواد ثانوية غير معروفة التأثير الصحي على المدى البعيد.

خطوة نحو فهم بيئتنا الدقيقة

هذه النتائج تُعد بمثابة تذكير علمي بأن الإنسان ليس كائنًا منفصلًا عن محيطه، بل هو جزء من نظام تفاعلي دقيق ومعقد، كل ما نضعه على أجسامنا أو في محيطنا، مهما بدا بسيطًا كالعطر، قد يكون له تأثيرات كيميائية مستترة على البيئة المحيطة بنا.

ويأمل الباحثون أن تُساهم هذه الدراسة في تشجيع مزيد من الأبحاث حول التفاعلات بين جسم الإنسان والبيئة الكيميائية المحيطة به، لا سيما في ظل التزايد المستمر في استخدام مستحضرات التجميل والمنتجات المعطرة.

هل علينا التوقف عن استخدام العطور؟

ليس بالضرورة، كما يوضح الباحثون، ما دامت العطور تُستخدم باعتدال وفي بيئة جيدة التهوية، فإن التأثير قد يكون ضئيلًا. لكن يُنصح بإعطاء الأولوية للمنتجات الطبيعية أو الخالية من العطور الصناعية عند الإمكان، والحرص على تهوية الأماكن المغلقة باستمرار للحفاظ على جودة الهواء.

تم نسخ الرابط