شهامة حتى الموت.. "محمود وأحمد" رحلوا لإنقاذ غيرهم من الهلاك

من قلب العتمة يخرج النور، ورغم ما نقابله من نماذج باتت قسوة جرائمها تؤرقنا، يظهر نماذج أخرى تعطينا الأمل، فى أنه لا زال الخير كثيرا، وأن الغالبية من شباب هذا المجتمع تجرى فى عروقهم الشهامة، يضحون بأنفسهم من أجل غيرهم دون مقابل، ليبرهنوا على أن المجتمع المصرى لازال بخير، وأن الأخلاق والعادات والتقاليد متأصلة بين أبنائه،
فعلى الرغم من إختلاف المكان والزمان إلا أن ما قام به شابان فقدا حياتهما، لإنقاذ آخرين من الموت ولا توجد علاقة بين الضحايا، ومن أنقذوهم شعاعى نور بددا ما تخيله الكثيرين، بأن الأجيال الحالية فقدت الكثير من قيم المجتمع المصرى.
محمود مات و أنقذ أسرة
ففى منطقة البراجيل، أثناء تواجد الشاب محمود عبدالمجيد، بمحل دواجن يمتلكه فوجئ، بإشتعال النيران بمنزل بنفس الشارع، وأصحابه يستغيثون بالجيران لمساعدتهم فى إنقاذ أطفالهم من النيران، و مساعدتهم لإطفاء الحريق، فلم يتوانى فى أن يترك ما بيده، ويهرول إلى نجدة جيرانه، وألقى بنفسه وسط النيران دون أن يفكر فيما سيلحق به من إصابات، أو تعطيل العمل بمحله، وبالفعل تمكن من إنقاذ الأطفال، إلا أنه أصيب بحروق بالغة نقل على أثرها إلى المستشفى، إلا أنه فارق الحياة متأثرا بإصاته.

وكانت المفاجأة أن ذلك الشاب الشهم، لم يكن من أبناء المنطقة، و ليس له صلة قرابة بأصحاب المنزل، الذى نشب به الحريق، ليضرب مثلا رائعا فى الشهامة، والتضحية بحياته، لإنقاذ أطفال أبرياء من وسط النار، و لم يكترث بحياته ليبقى نموذجا لشباب يبعثون الأمل فى نفوس أقرانهم والمجتمع بأسره فى أجيال لازالت الشهامة تجرى بين عروقهم.
احمد أنقذ ٣ عمال و مات
و من بشتيل فى أقصى شمال محافظة الجيزة، إلى حلوان فى أقصى جنوب محافظة القاهرة، كانت الشهامة نفسها فى الشاب أحمد قابيل، الذى تصادف مروره بالشارع وقت قيام 3 عمال بالعمل بالصرف الصحى، وإذا بهم يستغيثون بالمارة لإنقاذهم من الموت خنقا، بعد أن سقطوا فى بلاعة الصرف الصحى وحاصرتهم الغازات الخانقة، و كانوا قاب قوسين أو أدنى من الموت المحقق وما أن سمع ذلك الشاب صوت إستغاثتهم، وعلى الرغم من انه لا علاقة له بهم، ولا صلة قرابة أو صداقة، لم يتوانى فى مد يد العون لهم وإغاثتهم غير عابئ بما يمكن أن يلحق به من ضرر، أو تأخره عن الذهاب إلى عمله الذى كان فى طريقه إليه.

و بالفعل نزل أحمد لإنقاذ العمال الثلاثة من الموت، و بالفعل نجح فى إنتشالهم فى اللحظات الاخيرة، ليسقط هو مكانهم، ويلقى مصرعه مختنقا بدلا منهم، وكأنه فداهم بنفسه و هو لا يعرف حتى أسمائهم، ليقدم نموذجا ثانيا فى نفس اليوم الذى سبقه فيه محمود الذى أنقذ أسرة بشتيل فعلى الرغم من بعد المسافة و إختلاف المكان إلا أن البطولة و الشهامة واحدة تضحية حتى الموت.
لم يفكر أيا منهما فى أسرته و لا أولاده أو حتى قدم حياته على حياة من أنقذهم، بل إن كل ما شغلهما هو إنقاذ من إستغاث بهما، و على الرغم من ان أحمد العامل البسيط ترك أطفاله دون أموال يرثونها أو ثروة يقتسموها و هم لازالوا أطفال إلا أنه ترك لهم سيرة و ذكرى يفتخرون بها أمام الجميع و هو نفس الشيئ للشاب محمود الذى بدء مشروعه الصغير ليحقق ذاته من كده و تعبه ترك لأسرته ما لن يفنى أبدا من ذكرى طيبة فقات ماتا شهيدين للشهامة و الرجولة.