عاجل

بين سماسرة التقديم على شقق الإسكان.. معاناة المواطن في فخ غير مرئي |تحقيق

شقق الأسكان
شقق الأسكان

كانت الشمس قد بدأت تغرب عندما وصلت إلى أحد أحياء القاهرة الشعبية، حيث تسمع بين الأزقة همسات قلق وتوتر، ووجوه الناس تعبّر عن معاناة كبيرة يختزلها جملة واحدة، "شقق الإسكان صارت حلم بعيد".

كان هدفي أن أقترب أكثر من ظاهرة سماسرة التقديم التي باتت تؤرق الحكومة والمواطنين على حد سواء، ظاهرة تتغلغل في حياة البسطاء، تستغل حاجة الإنسان للبيت الآمن، وتتركه في دوامة من الخداع والوعود الكاذبة.

أول لقاء في قلب الحي مع سيدة تنتظر الأمل

أم سارة، امرأة في أواخر الأربعين، جلست أمام باب منزلها الصغير، تروي لي قصتها بصوت ملؤه الحزن والإحباط: "دفعت مبلغ 4000 جنيه لأحدهم قال لي إنه سيقدم طلبي لحجز شقة، كنت أظن أنه يساعدني، لكن بعد شهور اكتشفت أن طلبي لم يُسجل حتى!"

بين كلماتها، شعرت بثقل الظلم الذي تحملته، وزادني إصرارًا على كشف أبعاد هذه الظاهرة التي لا يراها الكثيرون.

الطريق إلى مكاتب السماسرة

مشيت نحو السوق القريب، حيث تنتشر بعض المكاتب الصغيرة التي تروج خدمات التقديم مقابل مبالغ مالية، مدخل أحد هذه المكاتب لم يكن ملفتًا، لكن ما بداخله كان حكاية أخرى.
داخل المكتب، تحدثت مع رجل في الأربعين من عمره، يدعي أنه "وسيط مع جهات الإسكان"، لكنه رفض الكشف عن اسمه، وقال بحذر: "الأمور ليست سهلة، كثيرون يريدون السكن، وأنا أساعدهم مقابل مبلغ رمزي".

لكن حين استفسرت عن طريقة العمل، بدا مترددًا، ثم أقر بأن الأمور "غيرمضمونة"، وأنه مجرد وسيط يعيد تقديم الطلبات التي يمكن لأي مواطن تقديمها بنفسه عبر موقع صندوق الإسكانالاجتماعي ودعم التمويل العقاري التابع لوزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية.

في انتظار تسجيل الطلب.. معاناة بلا نهاية

قابلت عادل، موظف حكومي في الثلاثين من عمره، كان ينتظر دوره عند أحد مراكز خدمة المواطنين التي خصصتها الدولة لمساعدة غير القادرين على التسجيل الإلكتروني.
روى لي كيف تعرض لمحاولات من سماسرة، عرضوا عليه خدمات مقابل أموال، لكنه قرر الاعتماد على نفسه، رغم صعوبة الإجراءات في البداية: "لم أكن أعرف كيف أبدأ، لكن بعد مساعدات من الآخرين ومتابعة أخبار  الإسكان والذهاب إلى مقر الصندوق عرفت كل شئ، وتمكنت من التسجيل مجانًا".

على خط المواجهة.. مسؤول في وزارة الإسكان يوضح

تواصلت مع مسؤول في وزارة الإسكان، طلب عدم ذكر اسمه، أكد لي أن الوزارة تعمل جاهدًة لضبط هؤلاء "النصابين" الذين يستغلون حاجه الناس خاصة البُسطاء، مردفا "كل إجراءات التقديم مجانية ومعلنة عبر المنصات الرسمية، والسماسرة يستغلون نقص الوعي لدى البعض".

وأضاف: "نطلق حملات توعية بشكل دوري، ونسعى لتسهيل الإجراءات، لكن التعاون من المواطنين مهم أيضًا".

خطوات للحل.. بين كلام المواطن والحكومة

بينما يمضي المواطنون في معاناتهم، تحاول الدولة بناء جدار من الحماية لهم، عبر التوعية وتسهيل الإجراءات، لكن الطريق مازال طويلاً.

لذلك، أصبح من الضروري تعزيز حملات الإعلام، وتبسيط المنصات الإلكترونية، وتفعيل دور مراكز الدعم، جنبًا إلى جنب مع تشديد الرقابة على من يستغلون حاجة الناس.

صوت المواطن المسلوب

عندما غادرت الحي، لم تغادرني صورة أم سارة وعادل، والعديد ممن يعيشون بين ظلال الأمل واليأس.

ظاهرة سماسرة التقديم ليست فقط قصة أرقام أو تقارير، بل هي وجوه وأرواح تأمل بيتًا يؤويها، والرسالة هنا واضحة، «دعم المواطن الحقيقي لا يكون إلا بشفافية وحماية، وبعيدًا عن استغلال الفقراء».

تم نسخ الرابط