عاجل

ترامب - إفريقيا

«الصلبان وقبور المزارعين البيض» ادعاءات ترامب بلقائه مع رئيس جنوب أفريقيا

ادعاء ترامب بـ الإبادة
ادعاء ترامب بـ "الإبادة الجماعية للبيض": ما مدى صحته؟

عقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، اجتماعًا مشحونًا ومثيرًا للجدل في البيت الأبيض ، مع رئيس جنوب إفريقيا ، سيريل رامافوزا ، حيث كرر ترامب ادعاءات سابقة له ولعدد من مسؤولي إدارته ، تزعم تعرض المزارعين البيض في جنوب إفريقيا لعمليات قتل ممنهجة ترقى إلى حد الإبادة الجماعية.

وخلال الاجتماع، عرض ترامب على رامافوزا تسجيلات فيديو، وخطبًا ، ومقالات منشورة على الإنترنت تدعم وجهة نظره، قائلاً للوفد الجنوب إفريقي الحاضر في المكتب البيضاوي: "بشكل عام، إنهم مزارعون بيض ويهربون من جنوب إفريقيا.. إنه أمر محزن للغاية أن نراه ، لكنني آمل أن نحصل على تفسير لذلك لأنني أعلم أنك لا تريد ذلك".

يأتي هذا اللقاء في وقت تصاعدت فيه التوترات بين الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا منذ تولي ترامب منصبه ، حيث قامت إدارته بقطع المساعدات عن جنوب إفريقيا ، وسحبت السفير الأمريكي في بريتوريا الشهر الماضي.

 

ادعاء ترامب بـ "الإبادة الجماعية للبيض": ما مدى صحته؟

ادعاءات ترامب بشأن "إبادة جماعية" يتعرض لها البيض في جنوب إفريقيا لا أساس لها من الصحة ، وقد نفتها مرارًا وتكرارًا تقارير رسمية ومستقلة، سواء من داخل جنوب إفريقيا أو من محللين دوليين ، ومع ذلك، في وقت سابق من الشهر ذاته، دخل 59 جنوب إفريقيًا أبيض إلى الولايات المتحدة كجزء من برنامج لجوء خاص أطلقته إدارة ترامب، بحجة توفير "ملاذ آمن" لهم.

هذا الزعم يتماشى مع خطاب يروج له القوميون البيض وبعض الجماعات اليمينية، لا سيما جماعة الضغط الأفريكانية "أفري فوروم"، التي تدعي أن التشريعات المصممة لمعالجة آثار الفصل العنصري باتت تمثل اليوم خطرًا على مجتمع الأفريكانيين البيض.

لكن الباحث في جامعة جوهانسبرغ، أنتوني كازيبوني ، شدد في تصريح لقناة الجزيرة على أنه "لا يوجد أي دليل موثوق يدعم الزعم بأن المزارعين البيض في جنوب إفريقيا يُستهدفون كجزء من حملة إبادة جماعية منهجية".

<span style=
ادعاء ترامب بـ "الإبادة الجماعية للبيض": ما مدى صحته؟

الحقائق والإحصاءات تكشف الصورة الحقيقية

بالرغم من أن الإحصاءات الجنائية في جنوب إفريقيا لا تُفصل بحسب العرق، فإن بيانات حكومية حديثة للفترة من أبريل إلى ديسمبر 2024، تُظهر وقوع 19696 جريمة قتل، من بينها 36 حادثة فقط مرتبطة بالمزارع، لم يُقتل فيها سوى سبعة مزارعين ،  أما الضحايا الـ29 الآخرون فهم في الغالب عمال مزارع، معظمهم من السود.

والمثير للاهتمام أن هذه الأرقام لا تختلف كثيرًا عن إحصاءات "أفري فوروم" نفسها، والتي أشارت إلى وقوع 50 و49 جريمة قتل في المزارع خلال عامي 2022 و2023 على التوالي.

وقال كازيبوني إن مصطلح "الإبادة الجماعية" يُستخدم بشكل خاطئ في هذا السياق، موضحًا أن الأمم المتحدة تُعرّف الإبادة الجماعية بأنها "أفعال تُرتكب بقصد تدمير جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية كليًا أو جزئيًا"، وهو شرط لا ينطبق على جرائم العنف في المزارع الجنوب إفريقية.

يُذكر أن البيض يشكلون حوالي 7% من سكان جنوب إفريقيا، إلا أنهم لا يزالون يمتلكون أكثر من 70% من أراضي البلاد، كما تُظهر البيانات تفاوتًا كبيرًا في الثروات ، إذ يتجاوز متوسط ثروة البيض نظيره لدى السود بنحو 20 ضعفًا، ويشغلون نسبة 62% من المناصب الإدارية العليا في قطاع الأعمال، مقابل 17% فقط للسود.

 

الصور المضللة والمزاعم الكاذبة بشأن "المقابر البيضاء"

في محاولة منه لإثبات صحة مزاعمه، عرض ترامب على رامافوزا تسجيلًا مصورًا لصفوف من الصلبان البيضاء المُقامة على جانب طريق سريع، زاعمًا أنها “مقابر لآلاف المزارعين البيض”، وعندما تساءل رامافوزا عن مصدر هذه المشاهد ، أكد ترامب أنها من جنوب إفريقيا.

رغم أن الصور بالفعل التُقطت في جنوب إفريقيا، فإنها لا تُظهر مقابر فعلية. فقد اتضح أنها صُورت خلال احتجاج نظمه نشطاء يمينيون عام 2020، عقب مقتل الزوجين جلين وفيدا رافرتي في إحدى المزارع ، حيث زرعت الصلبان كرمز احتجاجي، لا كشواهد قبور.

وقد أُعيد استخدام هذه الصور لاحقًا من قبل شخصيات مثل إيلون ماسك، الذي زعم أنها دليل على "إبادة جماعية للبيض"، وهي رواية فندها لاحقًا المعهد الجنوب إفريقي للعلاقات العرقية.

وتشير بيانات اتحاد ترانسفال الزراعي، وهو كيان يدعم المزارعين الأفريكانيين، إلى أن إجمالي عدد جرائم القتل في المزارع منذ عام 1990 وحتى 2024 بلغ 2229، بينهم 1363 مزارعًا أبيض، وهذا يعني معدلًا سنويًا يبلغ نحو 56 قتيلًا أبيض في المزارع على مدار 35 عامًا، وهو رقم مرتفع لكنه لا يُقارن بحملات إبادة جماعية معروفة في التاريخ.

ويوضح كازيبوني أن هذه الجرائم تعكس ارتفاع مستويات الجريمة العامة في البلاد، وضعف أداء الشرطة في المناطق الريفية، أكثر من كونها نتيجة لنية سياسية أو جماعية موجهة ضد فئة إثنية معينة.

<span style=
ادعاء ترامب بـ "الإبادة الجماعية للبيض": ما مدى صحته؟

جدل الأغاني السياسية: "اقتلوا البوير" في قلب العاصفة

عرض فريق ترامب مقطعًا لزعيم حزب "مقاتلو الحرية الاقتصادية"، جوليوس ماليما، وهو يغني أغنية "دوبول إيبهونو" (اقتلوا البوير)، وهي أغنية مناهضة للفصل العنصري تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي.

ورغم أن الأغنية تُفهم أحيانًا على أنها موجهة ضد المزارعين البيض، فإن المحاكم الجنوب إفريقية قضت بأنها لا تُشكل خطاب كراهية في سياقها التاريخي والسياسي، بل تُعد تعبيرًا رمزيًا عن مقاومة النظام العنصري.

وقد أكد الرئيس رامافوزا لنظيره الأمريكي أنه أدان هذه التصريحات، وأنها لا تعبر عن السياسة الرسمية للدولة. أما ماليما نفسه، فقد صرح في أكثر من مناسبة بأن الأغنية لا تدعو إلى قتل البيض "على الأقل في الوقت الحالي"، وهو تصريح أثار جدلًا واسعًا.

واختتم كازيبوني تعليقه بالقول إن القضاء الجنوب إفريقي يسعى لتحقيق توازن دقيق بين حرية التعبير ومراعاة الماضي العنصري للبلاد، في سبيل الحفاظ على السلم الاجتماعي والتماسك الوطني.

تم نسخ الرابط