رسائل استراتيجية تتجاوز التدريب العسكري
إسرائيل: مناورات «نسر الحضارة 2025» بين مصر والصين تغير قواعد اللعبة

في تقرير نشره موقع Nziv الإسرئيلي، تناول مناورات “نسر الحضارة 2025” بين مصر والصين، أشار إلى أن دخان عوادم المقاتلات الصينية التي حلقت فوق أهرامات الجيزة لم يكن مجرد خلفية لمناورة جوية مشتركة.
وأفاد الموقع المهتم بتحليل الشؤون العسكرية بأن هذا التحليق - والمناورة بشكل عام - يحمل دلالات تتجاوز المشهد البصري، ورسالة سياسية مفادها أن الصين لم تعد تكتفي بدور المراقب عن بعد لما يجري في الشرق الأوسط.
وتسائل التقرير بشكل صريح حول ما يحدث بالفعل في الشرق الأوسط، وما هي حقيقة التبادلات العسكرية بين مصر والصين.
مناورات «نسر الحضارة 2025»
أشار التقرير إلى أنه في إطار مناورات "نسر الحضارة 2025"، نشرت بكين طائراتها المقاتلة من طراز J-10 في سماء أحد أبرز الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة على مدى العقود الأربعة الماضية، واصفًا الأمر بأنه ليس مجرد مناورة عابرة، بل حدث رمزي يعكس تغيرًا في معادلات القوة الإقليمية، ويشير إلى أن الصين تسعى لملء فراغ آخذ بالاتساع مع تراجع الحضور الأمريكي.
وبينما تعد مناورة "نسر الحضارة 2025" أول تدريب جوي مشترك بين الجيشين الصيني والمصري، وقد تكون قصيرة من حيث المدة الزمنية، إلا أنها تحمل أهمية استراتيجية بالغة - بحسب ما أفاد به الموقع الإسرائيلي. فطبقًا لتصريحات نائب رئيس مجلس السياسة الخارجية الأمريكي، إيلان بيرمان، فإن هذه المناورات "تتجاوز مجرد التدريب، وهي تُغير قواعد اللعبة".

ويرى بيرمان ، أن نوعية هذه التدريبات تدل على مرحلة متقدمة من التعاون العسكري بين مصر والصين، حيث لم تعد العلاقة محصورة في صفقات تسليحية تقليدية، بل بدأت تأخذ طابعًا أكثر تعقيدًا يشمل بناء قدرات عسكرية مشتركة وتبادل الخبرات العملياتية.
ويضيف : "رغم أن مصر لا تزال ثاني أكبر متلقٍ للمساعدات العسكرية الأمريكية بعد إسرائيل ، إلا أن رسائلها السياسية واضحة : لن نعتمد على مصدر واحد ، وسنسعى لتنويع أسلحتنا ، والانفتاح على التكنولوجيا الصينية المتقدمة".
القاهرة لا توازن.. بل تعيد تموضعها
وبحسب بيرمان ، فإن هذه الخطوة لا تعبر عن حياد سياسي بقدر ما تعبر عن توازن قوى جديد تسعى القاهرة إلى بلورته. فهي تُعيد تقييم علاقاتها مع واشنطن في ظل التحولات الدولية، وتُدرك أن الانفتاح على الصين لا يعني القطيعة مع أمريكا، بل التكيف مع نظام عالمي متعدد الأقطاب.
ويؤكد أن هذه الشراكة مع الصين لا تقتصر على بدائل التسليح، بل تمثل لمصر فرصة استراتيجية للوصول إلى تقنيات عسكرية متطورة تساعدها في التعامل مع التحديات الأمنية المتزايدة في منطقة شديدة الاضطراب.
وفي حين وصف التقرير صور الطائرات الصينية وهي تحلق فوق الأهرامات وكأنها مشاهد من فيلم دعائي عن القوة الناعمة الصينية، لكنها في جوهرها تحمل أبعادًا استخباراتية. فقد أشارت تقارير إسرائيلية إلى أن التدريبات قد تُستخدم أيضًا كغطاء لجمع معلومات، وربما لاختبار قدرة الصين على تنفيذ عمليات عسكرية خارج حدودها التقليدية.
وفي ظل انسحاب واشنطن التدريجي من الشرق الأوسط، يُطرح السؤال الجوهري: هل تستعد الصين لأن تكون البديل العسكري لأمريكا في المنطقة؟ أم أن القاهرة تستخدم ورقة بكين لتحسين شروط التفاوض مع واشنطن؟

تدريبات نوعية... وتعاون يتجاوز التسلح
تشير التدريبات الجوية بين البلدين إلى مسار جديد في العلاقات الثنائية، يقوم على تأسيس منظومة تعاون عسكري متكاملة. ووفقًا لبيرمان، فإن بكين تسعى لملء الفراغات التي خلّفها تراجع الدور الأمريكي، وتوظف علاقاتها العسكرية لتعزيز نفوذها وإضعاف الغرب في المنطقة.
ويُعد اختيار مصر – وهي دولة محورية في الشرق الأوسط – شريكًا في هذه المناورات، مؤشرًا على وعي الصين بأهمية القاهرة الجيوسياسية. فالجيش المصري يُعد من أكبر الجيوش في المنطقة، وشراكته تمنح الصين موطئ قدم عسكري في قلب العالم العربي.
ورغم استمرار تدفق الدعم العسكري الأمريكي، تسعى مصر إلى تنويع مصادر التسليح، ومن بينها الصين، التي توفّر بدائل أقل تكلفة نسبيًا، وأسرع في التسليم، وأحيانًا بدون شروط سياسية صارمة. وتُعد هذه المقاربة جزءًا من استراتيجية مصرية طويلة الأمد تهدف إلى تعزيز الاستقلالية في القرار العسكري والسياسي.

واشنطن تراقب.. والتحولات تتبلور
في نظر الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، تثير هذه المناورات أسئلة جوهرية حول أهداف التعاون العسكري الصيني المصري. ويخشى مراقبون في الغرب من أن تكون بكين بصدد اختبار قدرتها على تنفيذ عمليات مشتركة بعيدة المدى، وقياس مدى توافق أنظمتها القتالية مع جيوش من دول مختلفة البنية والقيادة.
ويختم بيرمان بأن مناورات "نسر الحضارة 2025" لا يمكن اختزالها في مجرد تدريب عسكري، بل تحمل مؤشرات سياسية وجيوسياسية لمرحلة جديدة تتشكل في الشرق الأوسط، حيث لم تعد واشنطن اللاعب الوحيد، وحيث بدأت بكين تلعب أوراقها بهدوء.. لكن بفعالية.