خالد الجندي: الإحرام فلسفة عبودية تتجاوز الحج والعمرة

سلّط الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، الضوء على مفهوم الإحرام باعتباره جوهرًا روحيًا وتربويًا يمتد إلى مختلف أركان الإسلام، مؤكدًا أن الإحرام ليس مجرد حالة طقسية في الحج أو العمرة، بل نمط حياة وسلوك تعبّدي يعبر عن خضوع الإنسان لله وامتثاله لأوامره، حتى في المباحات.

جاءت تصريحات الشيخ خالد الجندي خلال حلقة برنامج "لعلهم يفقهون"، المذاع على قناة DMC، حيث تناول بفهم عميق فلسفة الإحرام وآثارها التربوية في سلوك المسلم اليومي في الحج والعمرة.

الإحرام في الحج والعمرة 

بدأ الشيخ خالد الجندي حديثه بتفسير آية من القرآن الكريم: وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا"، موضحًا أن الصيد في أصله حلال، لكنه يصبح محرمًا عند الدخول في نية الإحرام سواء في الحج والعمر.

وقال الشيخ خالد الجندي: "الإحرام لحظة قلبية وروحية تُحوِّل الحلال إلى حرام طاعة لله، وهذا المعنى العميق هو جوهر العبودية، تحديدًا في الحج والعمرة".

وأوضح أن الإحرام لا يقتصر على ارتداء ملابس بيضاء أو التواجد في مكة، بل هو تجسيد لمرحلة انتقالية بين الانشغال بالحياة والطاعة الخالصة لله، حيث يمتنع المسلم عن أشياء مباحة ابتغاءً لرضا الله.

الصلاة والزكاة والصيام

أشار الشيخ خالد الجندي إلى أن مفهوم الإحرام يتكرر في كل عبادة إسلامية: «في الصلاة، نبدأ بـ"تكبيرة الإحرام"، وهي لحظة تمنع فيها النفس من الكلام، الأكل، الشرب، والالتفات، رغم أنها مباحات في الأصل»، قائلاً: "من أول ما تقول (الله أكبر)، تبدأ مرحلة جديدة من الامتناع والانضباط الكامل".

وتابع: "في الزكاة، يتجسد الإحرام من خلال الامتناع عن إنفاق جزء محدد من المال (2.5%)، لأنه حق معلوم للفقراء"، ويُعد التصرّف فيه مالاً محرّمًا: "هو مالك في الظاهر، لكنه ليس لك في الحقيقة".

وواصل: "في الصيام، يتجلى الإحرام بأوضح صوره، حين يمتنع المسلم عن الطعام والشراب والشهوة"، رغم أن كل ذلك حلال في الأصل: "نصوم حبًا لله، لا خوفًا من حرمان، وإنما امتثالًا لأمره".

الإحرام.. تربية روحية 

أكد الجندي أن الإحرام ليس مجرد نية لفظية أو زي معين، بل هو تجربة تربوية تربط العبد بربه من خلال الامتناع عن بعض المباحات، تعبيرًا عن الولاء والطاعة.

وقال: "حين تقول (لبيك اللهم لبيك)، فإنك تعلن أنك مستعد لترك ما تحب من أجل من تحب"، مشيرًا إلى أن هذا هو أعلى درجات العبودية، التي تُربّي الإنسان على الانضباط، والخضوع، والسمو الروحي.

الإحرام.. ليس موسمًا 

اختتم الشيخ خالد الجندي حديثه برسالة تربوية عميقة، حيث شدد على أن الإحرام يجب ألا يُفهم كموسم سنوي يقتصر على الحج أو العمرة، بل هو نموذج يومي في حياة المسلم، يجسّد فلسفة العبودية عبر الامتناع عن المباحات بإرادة حرة.

وأضاف: "الإحرام هو تربية ربانية على الطاعة، ورسالة تقول إنك عبد لله في كل وقت، مستعد للتنازل عن الحلال حين يأمر، وهذا هو جوهر التربية الإسلامية".