ما حكم الطواف على الكرسي المتحرك؟ دار الإفتاء توضح

مع اقتراب موسم الحج وبدء استعدادات ضيوف الرحمن لأداء المناسك، يتجدد التساؤل بين العديد من الحجاج، وخاصة كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، حول مشروعية الطواف حول الكعبة على الكرسي المتحرك، وهل يؤثر ذلك على صحة الطواف ومناسك الحج
وأجابت دار الإفتاء في ذلك
لا مانع شرعًا من الطوافَ على الكرسي المتحرك إن كان لعُذرٍ باتفاق الفقهاء، ويكون مجزئًا حينئذٍ، وإن كان لغير عُذرٍ فهو جائزٌ ومجزئ كما هو مذهبُ الشافعية، والحنابلة في رواية، وينبغي على مَن لا عُذر له في الركوب أن يطوف ماشيًا خروجًا مِن خلاف مَن عدَّه غير مجزئ.
يان أن المشي على القدمين هو الأصل في الطواف
مِن المقرَّر أنَّ الطواف بالبيت مطلوبٌ شرعًا لمَن أحرَمَ بالحجِّ مطلقًا؛ قال تعالى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: 29].
والأصل أن يكون المتنسِّك ماشيًا على قدميه في الطواف إلا لعُذر.
ويدلُّ على ذلك: ما جاء عن السَّيدة أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: شكوتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أني أشتكي قال: «طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ» متفق عليه.
وجهةُ الدلالة منه ظاهِرة في جواز طواف الراكِب للضرورة، ويُستفاد منه أن المشي على القدمين هو الأصْل في الطواف؛ إذ لا يُصار إلى البدل إلا عند تعذُّر الأصل.
قال أبو العباس القرطبي في "المفهم": [لا خلافَ في جوازِ طوافِ المريض راكبًا للعذر] اهـ.
وقد حُكي الإجماع على أن طواف الإنسان ماشيًا سنةٌ حسَنة. يُنظر: "شرح صحيح مسلم" للإمام النووي، و"المغني" للإمام ابنِ قُدَامة (3/ 358، ط. مكتبة القاهرة).

حكم الطواف على الكرسي المتحرك لعذر
الطواف على الكرسي المُتحرك: لا حرج فيه لعُذر؛ كالمرض ونحوه؛ لأنَّ الكرسي المتحرك -في حقيقته- هو جهازٌ يوفِّر التنقل بالعجلاتِ ودعم الجلوس لشخص يُعاني مِن صعوبة في المشي أو التحرك. يُنظر: "المصطلحات الإحصائية لمنظمة الصحة العالمية" -موقع الإسكوا (فئة: إعاقة).
نصوص فقهاء المذاهب الفقهية في هذه المسألة
قد تتابعت نصوصُ فقهاء المذاهب الأربعة المتبوعة على ذلك:
قال الإمام ابنُ نُجَيْم الحنفي في "البحر الرائق" في سياق بيان واجِبات الطواف: [المَشي فيه لمن ليس له عذرٌ يمنعه منه] اهـ.
وقال الشيخ أبو الحسن علي المالكي في "كفاية الطالب الرباني" في سياق بيانِ شروط الطوافِ: [المشي، فإذا طاف راكبًا أو مُحَمَّلًا لعذر أجزأه] اهـ.
وقال الشيخ الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" في سياق بيانه شروطَ الطواف: [أن يكون ماشيًا إلا لعُذرٍ، فإن رَكِبَ بلا عذْر لم يُكره اتفاقًا كما في "المجموع"] اهـ.
وقال العلامة منصور البُهُوتي الحنبلي في "شرح منتهى الإرادات": [(ومَن طاف راكبًا أو محمولًا لم يجزه) طوافُه كذلك (إلَّا) إن كان ركوبُه أو حملُه (لعُذر)] اهـ.

أقوال الفقهاء في حكم طواف الشخص راكبا لغير عذر
اختلفوا في طواف الشَّخص راكبًا لغير عذر، فذهب جمهورُ الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة في رواية إلى وجُوب الإعادة، وإلَّا فعليه دمٌ. يُنظر: "الاختيار لتعليل المختار" للعلَّامة ابن مَوْدُود الحنفي ، و"شرح مختصر خليل" للإمام الخَرَشِي المالكي ، و"المغني" للإمام ابن قدامة الحنبلي .
وذهب فقهاءُ الشافعية، والحنابِلة في روايةٍ إلى الجواز، إلَّا أن الشافعية عدُّوه من خلافِ الأَوْلى؛ لأنَّ المطلوب هو الطوافُ بالبيت، فإذا حَصَلَ فقد تأدَّى به الواجِبُ كيفما كان، وهذا هو المختار للفتوى.
قال الإمام جلال الدين المَحَلِّي الشافعي في "شرح منهاج الطالبين" : [لو طاف راكبًا بلا عُذر جاز بلا كراهةٍ] اهـ.
قال العلامة القليوبي في "الحاشية" مُعلقًا عليه: [قوله: (بلا كراهة) أي: بل هو خلافُ الأَوْلَى] اهـ.
وقال الإمام ابنُ مُفْلِح الحنبلي في "المبدع في شرح المقنع" : [وإن كان لغير عُذر أجزأ، في رواية قدَّمها المؤلف، وجزم بها ابنُ حامد، وأبو بكر (في) الراكب؛ لأن الله تعالى أمر بالطواف مطلقًا] اهـ.
ويشهدُ لهذا القول: ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «طاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجَّةِ الوداع على بعير، يستلم الركن بِمِحْجَنٍ» متفق عليه.
وجهُ الدلالة منه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طاف راكِبًا، والفِعل مِنه بيانٌ للجواز وأمارةٌ عليه. يُنظر: "الإشراف" لابن المنذر (3/ 284، ط. مكتبة مكة الثقافية).