ترامب يُغازل العرب ويُربك إسرائيل بجولة شرق أوسطية تعيد ترتيب الأولويات

عزز الرئيس دونالد ترامب من مكانة ممالك الخليج خلال جولته التي امتدت لأربعة أيام في الشرق الأوسط، في خطوة قلبت موازين التحالفات التقليدية، وقلّصت ولو مؤقتًا من مركزية الشراكة الأمريكية الطويلة الأمد مع إسرائيل.
فقد بدت أولويات واشنطن تميل بوضوح نحو شركاء عرب جدد، في لحظة فارقة تُعيد تشكيل معادلات القوة والنفوذ في المنطقة.

جولة شرق أوسطية تعيد ترتيب الأولويات الأمريكية
وبرز احتضانه لقادة المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، حيث تجاوز ترامب إسرائيل ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي ازداد تباعده عنه في الأشهر الأخيرة.
حتى قبل وصول ترامب إلى المنطقة، أدت خطوات، بما في ذلك الاتفاق الأحادي الجانب الذي توصلت إليه الإدارة مع حماس لتأمين إطلاق سراح آخر رهينة أمريكي متبقٍ في غزة، إما إلى تهميش الإسرائيليين أو إلى مفاجأتهم، مما يؤكد أن الحليفين ليسا على وفاق تام بشأن أبرز بؤر التوتر في المنطقة.
كما سلّطت هذه الخطوات الضوء على اختلافه مع سلفه، جو بايدن، الذي ركّز على التودّد إلى نتنياهو، وعلى أشهر من الدبلوماسية التي غالبًا ما كانت بلا جدوى لوقف حرب غزة وإصلاح علاقته مع المملكة العربية السعودية، التي وصفها بـ"الدولة المنبوذة" قبل توليه منصبه.
اقرأ أيضاً: تحوّل قواعد اللعبة: واشنطن تفتح أبواب الذكاء الاصطناعي أمام السعودية والإمارات
السؤال.. خطوة تكتيكية مؤقتة أم تحول استراتيجي
السؤال الأساسي أمام ترامب هو ما إذا كان هذا الابتعاد عن إسرائيل مجرد خطوة تكتيكية مؤقتة أم تحول استراتيجي عميق. فالولايات المتحدة لا تزال أقرب حليف لإسرائيل وأكبر مزود لها بالأسلحة. وبالرغم من التوترات التي أثارتها الحرب في غزة وأثرت على دعم إسرائيل داخل الكونجرس، فإن قوة هذا الدعم تجعل من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، لأي إدارة أمريكية أن تقلّص حجم العلاقة بشكل جذري أو دائم.
لطالما كانت علاقة ترامب مع نتنياهو متوترة، وكشف مقرّبون إنه لم يتجاوز تهنئة نتنياهو العلنية لبايدن بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2020. لكنّ خلافاتهما الحالية تتعلق بأجندة ترامب أكثر من أي خلاف طويل الأمد، كما يقول المحللون.
قال ستيفن كوك، خبير شؤون الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن: "الاختلافات حقيقية والتوتر حقيقي". لكن "الناس يُبالغون في تقدير أهمية استبعاد إسرائيل من جدول الرحلة".
وأشار إلى أن نتنياهو عقد اجتماعين مع ترامب، وأن القادة الإسرائيليين لا يزالون على اتصال وثيق بنظرائهم الأمريكيين.
تودد ترامب نحو دول الخليج
قال بدر السيف، الخبير في شؤون الخليج العربي والعربية بجامعة الكويت: "بالنسبة لأولئك في الخليج الذين ظنوا أن الطريق الوحيد لأمريكا هو عبر إسرائيل، نرى الآن فرصةً تُمكّننا من التوجه مباشرة إلى الولايات المتحدة". وأضاف: "لدينا إمكانية الوصول إلى الرجل الأول.. إنه يُنصت جيداً".
وقال جويل رايبورن، مرشح ترامب لمنصب كبير مسؤولي الشرق الأوسط في وزارة الخارجية، في جلسة استماع بمجلس الشيوخ يوم الخميس، إن دول الخليج "أصبحت الشريك المُفضّل".
وأضاف أن رحلة الرئيس "تُثبت أن الوقت قد حان لتوسيع علاقاتنا في الخليج، وتوسيعها من الأمن إلى الرخاء".
مع مغادرة ترامب المنطقة، جاءت وزارة الخارجية السعودية لتذكّر أن صراعات الشرق الأوسط كثيرًا ما تجهض أي تفاؤل بشأن تحوّل العلاقات، فدانتها حرب إسرائيل على غزة، ووصفت الهجمات المتكررة التي تشنها القوات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني بـ "الاعتداءات العدوانية".

في المقابل، لم تحظَ قضية غزة باهتمام ملموس من دول الخليج الغنية بالنفط، التي استقبلت ترامب في قصور فخمة ومساجد مزخرفة، مؤكدة على التزامها باستثمارات أمريكية تصل إلى تريليونات الدولارات.
كما نظم كبار رجال الأعمال فعاليات راقية، في حين اصطفت جمال الخيول على جوانب الشوارع، وأضاءت المباني، بما في ذلك أطول ناطحة سحاب في دبي، بعروض ضوئية تحمل العلم الأمريكي، في مشهد يعكس التوافق الاقتصادي والسياسي بين الطرفين.
العلاقة الأمريكية السعودية
وقال ترامب خلال إقامته في الرياض: "لطالما كانت العلاقة الأمريكية السعودية ركيزة أساسية للأمن والازدهار. إنها أقوى من أي وقت مضى، وبالمناسبة، ستبقى كذلك".
حلم ترامب
وأضاف ترامب أن حلمه هو أن تُطبّع المملكة العربية السعودية العلاقات مع إسرائيل، وهو ما يُمثّل ضربة دبلوماسية عبقرية يُمكن أن تُغيّر وجه الشرق الأوسط، وكان هدفًا رئيسيًا لم يتحقق في رئاسة بايدن.
وقال ترامب أمام حشد كبير في الرياض، بحضور الأمير محمد في الصف الأمامي، إن المملكة يُمكنها اتخاذ هذا القرار في وقتها، مُقرًا بأن التقارب الدبلوماسي الرسمي أمرٌ غير مُرجّح طالما استمرت حرب غزة.
سبق للحكومات العربية أن سمعت وعودًا بالدعم الأمريكي - بما في ذلك من ترامب خلال ولايته الأولى - لكن واشنطن ظلت أقرب إلى إسرائيل منها. في عام 2019، خلال ولايته الأولى، تعهد ترامب بالرد على إيران بعد هجوم بطائرة مسيرة على منشأة نفط سعودية، ألقت الولايات المتحدة باللوم فيه على طهران.
اقرأ أيضاً: صفقات تاريخية تفتح آفاقًا جديدة للتعاون .. الرياض تستقطب التكنولوجيا الأمريكية

استبعاد نتنياهو من أجندة ترامب
لكن نتنياهو هو من وجد نفسه خارج دائرة الضوء مؤخرًا، بدءًا من أبريل
عندما أعلن ترامب عن محادثات نووية مع إيران خلال زيارة الزعيم الإسرائيلي للبيت الأبيض.
ورغم أن ترامب يُصرّح بأنه يُفضّل اتفاقًا مع طهران يقضي بعدم تطوير سلاح نووي، إلا أنه هدّد بإمكانية تعرض إيران لهجوم في حال عدم التوصل إلى اتفاق. ومن شأن هذا النهج أن يُقرّب ترامب مجددًا من وجهة نظر نتنياهو حول كيفية وقف البرنامج النووي الإيراني. ومع ذلك، ليس هذا سوى أحد خلافاته مع إسرائيل.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أبرم صفقة مع الحوثيين لوقف مهاجمة السفن الأمريكية، ولكن ليس مع إسرائيل. وقبل وصوله إلى الشرق الأوسط، تفاوض مع حماس على إطلاق سراح الرهينة الأمريكي الإسرائيلي عيدان ألكسندر، بينما ظلّ الرهائن الإسرائيليون في الأسر، وخلال رحلته هذا الأسبوع، وافق على رفع العقوبات عن سوريا بعد مناشدة شخصية من الأمير محمد، مخالفًا بذلك موقف إسرائيل التي كانت متشككة في الحكومة الجديدة في دمشق.
عندما زار ترامب الشرق الأوسط خلال ولايته الأولى، كانت السعودية محطته الأولى أيضًا، لكنه سافر لاحقًا إلى إسرائيل، والتقى بنتنياهو، وصلى عند الحائط الغربي في القدس، ليصبح أول رئيس أمريكي يفعل ذلك.
هذه المرة، في أبوظبي، قام ترامب بأول زيارة لمسجد كرئيس، وهو تحول مذهل لسياسي سبق أن أعلن أن "الإسلام يكرهنا".