عاجل

إذا كانت لأمين عام "حزب الله" الجديد نعيم قاسم مشكلة داخلية في الحزب تتمثّل في عجْزه عن سدِّ ولو نسبةٍ ضئيلةٍ من كاريزما الأمين العام الراحل حسن نصر الله، وإذا كان يُواجَه أحياناً من قِبل قيادات في الحزب بنبراتٍ استنكاريةٍ مضمَرة قد تكون ترجمتُها المبطَّنة "المهمّ ألا تُصَدِّق ما أنتَ عليه"... فذلك كلّه مكانه استشارات الطب النفسي ولا علاقة لنا أو للعمل الإعلامي به.

ما يعنينا الخطابُ الأخير للشيخ نعيم الذي أعاد فيه الحالةَ العدائيةَ مع بعض الدول العربية وتحديداً دولة الكويت في سياق تمجيده لمصطفى بدر الدين وعماد مغنية اللذين قُتلا في سوريا... ويُعتقد على نطاق واسع ان تصفيتهما تمت في اطار التخلص من الذين تورّطوا في اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق الشهيد رفيق الحريري.

نعيم قاسم حرٌّ في تمجيد مَن يريد مِن حزبه، وفي اتباع سُنَّةِ مَن سَبَقَهُ في تعبئة القاعدة الحزبية وغسْل الأدمغة بما يعتبرونه أمجاداً وبطولات. لكنه أطلق فرية في كلامه عن الكويت قائلاً في إطار سرْده لأدوار مَن اعتبره "القائد الجهادي الكبير" إن مصطفى بدر الدين "اعتُقل في الكويت بين سنة 1983 و1990 لمدة سبع سنوات، لكنه كان يخيف سجّانيه بدل أن يخيفوه".

في الشكل، تَعَرَّضَ قاسم للكويت معتبراً أن قوّتها الأمنية خافت من سجينٍ لديها في لحظةِ مغادرةِ الرئيس اللبناني جوزاف عون للكويت واتفاقه مع القيادة الكويتية على فتْح صفحةٍ جديدةٍوتَعَهُّدِهِ بألا يكون لبنان مجدداً ممراً لاعتداءاتٍ تنفيذية أو سياسية - إعلامية على الكويت. وهذا الإحراج ليس برسْم الكويتيين، بل برسْم الرئاسة اللبنانية التي تخوض حواراً مع قيادة حزب الله، وهي التي تقرّر إذا كانت "الهديةُ الملغومة" في التوقيت مقدّمةً للقول إن الحزب ما زال قادراً على تخريب أي جهد للتقارب اللبناني - العربي.

في المضمون، كم كانت عباراتُ قاسم تجاه الكويت بعيدةً من الاحترام ومليئةً بالأوهام. فبدر الدين تَوَرَّطَ في تفجيرات 1983 الإرهابية في الكويت ضد سفاراتٍ ومنشآتٍ نفطية والمطارِ ومحطةِ كهرباء، نصرةً لإيران في حربها ضد العراق. وحمى الله الكويت يومَها من خسائر ضخمة في الأرواح بسبب التخطيط السيء وغياب الدقة وخصوصاً عند انفجار شاحنة تحمل 200 اسطوانة غاز قرب مصافي النفط ومصنع لمواد كيماوية.

هو عند الكويتيين وجميع الناس - باستثناء جماعة الحزب -إرهابيّ، إنما لأنه كان في الكويت فقد خَضَعَ لمحاكماتٍ بكل مندرجاتها وحُكِمَ عليه بالسجن. وتَخَيَّلوا ماذا كان مصيره مثلاً لو حصل العكسُ اي لو اوقف في مناطق نفوذ "حزب الله" وسورية الأسد وإيران ودولِ الممانعة عموماً... مجرد الشك به فقط كفيل بإعدامه على رافعات البناء.

كيف اعتبر قاسم أن سجّاني مصطفى بدر الدين، واسمُه الحَرَكي آنذاك الياس صعب، كانوا هم مَن يخافون منه؟ لماذا يَنتقص من قدراتِ دولةٍ أمّنتْ فعلاً الأمن والأمان لشعبها وللمقيمين فيها،ومنهم اللبنانيون، وسمحت لهم بالعيش الكريم والعمل في أجواء الاستقرار والطمأنينة. ثم ألم تصل الى الأمين العام الجديد لـ "حزب الله" أنباء خطْف عماد مغنية لطائرة الجابرية الكويتية من أجل إطلاق سراح قريبه بدر الدين ومَن معه؟ ألم يعرف أن مغنية قَتَلَ مواطنَيْن كويتيَّيْن هما عبد الله حباب الخالدي وخالد أيوب الأنصاري اللذين يُعتبران من شهداء الحق بفعل اعتداءٍارهابي؟

لو كان هناك عاقِلٌ في الحزب (وهذا صار موْضعَ شك) لَأشار على قاسم أن لا يتحدّث عن الكويت احتراماً لكل ما قدّمتْه هذه الدولة من أجل لبنان رغم كل الجِراح التي أصابتْها من هذا الحزب. وأن يتذكّر ان سَلَفَهُ قدّم لها التحيةَ على الهواء احتراماً لمحاصرتها السريعة لفتنةٍ تفجير مسجد الصادق. وأن يتذكّر أنه رغم كل الوعود والعهود التي قدّمها الحزبُ، إلا أن اكتشافَ خلية العبدلي والأسلحة المخبأة وتدريباتِ بعض أعضائها في معسكراتِ الحزب في لبنان كان يمكن أن يقطع كل الخيوط بين الكويت ولبنان. وأن يتذكّر أن الكويت وفي ظل المقاطعة الخليجية الشاملة للبنان قبل 3 أعوامٍ تَقَدَّمَتْ بمبادرةٍمن 12 بنداً لإعادة العلاقات مع دول الخليج ... ناهيك عن مواقف الكويت التاريخية تجاه لبنان.

سمِّه ما شئت، لكن مَن فَجَّرَ منشآت وسفارات وقطاعات خدمية في بلدٍ آخَر كرمى لعيون إيران، فهو إرهابي. ومَن خطف طائرةًوقَتَلَ مدنيين من أجل الضغط لإطلاق الإرهابي الأول، فهو إرهابي ... سمِّه يا شيخ نعيم ما شئتَ، إنما كان الأجدى عدم إقحام الكويت في هذه القصة لأنها تَسامَتْ على الجِراح ولم تَزِرْ وازِرَةٌ وِزْرَ أخرى.

شيخ نعيم ... امتلِك شجاعةَ الاعتذار للكويت التي دعمتْ لبنان وأمّنتْ العيش الكريم لآلاف الأُسِر اللبنانية. أما شجاعةُ التصعيد والتهديدِ بالقوةِ دائماً، وتحويلُ المتجاوزين أبطالاً، ومغامراتُ الإسنادِ غير المحسوبة، فلم تؤد إلا إلى نكبةٍ كل الجنوب والإضرار بكل لبنان.

تم نسخ الرابط