من «جمعة الشوان» إلى «ناجي عطا الله»
الزعيم عادل إمام فنان بحجم وطن وصوت فلسطين في ذاكرة الفن العربي

في يوم 17 مايو 2025، يُطفئ الزعيم عادل إمام شمعته الخامسة والثمانين، محتفظًا بمكانته الاستثنائية كأيقونة فنية حفرت اسمها في ذاكرة الأجيال العربية، ورغم تنوع أدواره بين الكوميديا والدراما والرومانسية، فإن ما يميّز مسيرته هو حضوره القوي في الأعمال الوطنية التي حملت هموم الأمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، التي لم تغب عن وجدانه الفني.
فمن "دموع في عيون وقحة" (1980) حيث جسّد ببراعة شخصية الجاسوس المصري "جمعة الشوان" في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، إلى "السفارة في العمارة" (2005) الذي عبّر فيه عن رفض التطبيع وموقف المواطن البسيط من الظلم التاريخي الواقع على فلسطين، وصولًا إلى مسلسل "فرقة ناجي عطا الله" (2012)، الذي خاض فيه مغامرة درامية جريئة اخترق بها قلب تل أبيب دعمًا للحق الفلسطيني.
مسلسل دموع في عيون وقحة 1980
يُعد مسلسل "دموع في عيون وقحة" أحد أبرز الأعمال الوطنية في تاريخ الدراما المصرية، حيث جسد عادل إمام ببراعة شخصية الجاسوس المصري جمعة الشوان، الذي قدّم حياته فداءً لوطنه في واحدة من أعقد العمليات المخابراتية في مواجهة العدو الإسرائيلي، ويستعرض المسلسل رحلة التحول من شاب بسيط في السويس إلى عميل مزدوج يخترق أخطر أجهزة الاستخبارات، ناقلًا المعلومات لصالح مصر، في سياق مشوق يجمع بين الواقع والدراما.
ورغم تركيز العمل على الصراع المصري الإسرائيلي، إلا أن دعم القضية الفلسطينية كان حاضرًا بوضوح في وجدان البطل، وفي رسائل المسلسل غير المباشرة، فلم تكن المعركة التي خاضها الشوان من أجل مصر فقط، بل كانت دفاعًا عن الكرامة العربية وعن أرض فلسطين المحتلة، وهو ما تجلى في رفضه القاطع للخيانة، وإصراره على مواجهة العدو بكل ما يملك من ذكاء وصبر وإيمان.

فيلم السفارة في العمارة 2005
أما في فيلمه الجريء "السفارة في العمارة"، قدّم الزعيم مزيجًا فريدًا من الكوميديا والدراما السياسية، من خلال شخصية "شريف خيري"، المهندس المصري العائد من الخليج بعد سنوات طويلة من الغربة، ليُفاجأ بأن شقته بالقاهرة أصبحت ملاصقة لمقر السفارة الإسرائيلية، ليعيد هذا التصادم المفاجئ بين حياته الخاصة والواقع السياسي تشكيل نظرته للعالم من حوله، ويضعه في صدام غير مباشر مع قوى تُريد تطبيع العلاقات على حساب كرامة الناس ومشاعرهم.
ولكن ما يجعل الفيلم أكثر من مجرد كوميديا اجتماعية، هو موقفه الواضح والصريح من القضية الفلسطينية، حيث يُظهر كيف أن المواطن العادي، رغم بساطته وبعده عن السياسة، لا يقبل المساومة على حقوق الشعب الفلسطيني، ويتحول من رجل عادي إلى صوت مقاوم داخل عمارة، ليعبّر من خلال مواقفه الساخرة والمتمردة عن موقف شعبي واسع يرفض التطبيع، ويُصر على أن ما هو "إنساني" لا يمكن فصله عن ما هو "وطني".

مسلسل فرقة ناجي عطا الله 2012
ثم يعود الفنان عادل إمام عبر مسلسل "فرقة ناجي عطا الله"، ليُقدّم تجربة درامية تمزج بين الأكشن والكوميديا والسياسة، من خلال شخصية ناجي عطا الله، الدبلوماسي المصري السابق الذي يقرر خوض مغامرة غير تقليدية، حيث يُشكّل فرقة من الشباب لتنفيذ عملية سرقة جريئة في قلب تل أبيب، وتبدأ الحكاية بهدف مادي، لكنها سرعان ما تتحول إلى مهمة وطنية، تتقاطع فيها القضايا الكبرى مع التفاصيل الإنسانية، ويُصبح الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي هو المحور الأهم في القصة.
ويتمثل الجزء الأبرز في المسلسل في تسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، وكيف يمكن للفن أن يُعبّر عن المقاومة الشعبية حتى من خارج الأرض المحتلة، ويقدم العمل رسالة قوية تؤكد أن القضية الفلسطينية ليست قضية حدود، بل قضية كرامة وهوية وضمير عربي حي، وأن الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني لا يتطلب السلاح فقط، بل يبدأ بالموقف والنية والتضامن الحقيقي.
وأخيرًا، لم يكن الزعيم عادل إمام مجرد فنان، بل صوتًا ضميرًا شعبيًا عبّر من خلال الشاشة عن مواقف عربية خالدة، ستبقى شاهدة على مسيرة فنية منحت الفن معنى ورسالة.
