عاجل

الجلوس الطويل قد يسرّع انكماش الدماغ ويزيد خطر الإصابة بألزهايمر

 خطر الإصابة بألزهايمر
خطر الإصابة بألزهايمر

كشفت دراسة علمية حديثة أن السلوك اليومي الذي نمارسه جميعًا دون انتباه – وهو الجلوس لفترات طويلة – قد يكون له تأثير مدمر على الدماغ، ويُعجل بظهور علامات مبكرة مرتبطة بمرض ألزهايمر، حتى لدى الأشخاص الذين يواظبون على أداء التمارين الرياضية الموصى بها أسبوعيًا.

الدراسة، التي نُشرت في مجلة Alzheimer’s & Dementia المتخصصة في أمراض الذاكرة والدماغ، أُجريت في مركز فاندربيلت الطبي بولاية تينيسي الأمريكية، وهدفت إلى فهم العلاقة بين مستوى النشاط اليومي لدى الأفراد وأداء الدماغ، خاصة في المناطق المرتبطة بالذاكرة.

تفاصيل الدراسة: مراقبة دقيقة للحركة

شارك في الدراسة أكثر من 400 شخص تجاوزوا سن الخمسين، جميعهم لا يعانون من الخرف أو أمراض معرفية سابقة، خضع المشاركون لمراقبة دقيقة بواسطة أجهزة ذكية ترتدى على الجسم، وتم تتبع مستوى نشاطهم اليومي ومدة الجلوس أو الاستلقاء على مدار أسبوع كامل.

كما خضعوا لاختبارات معرفية شملت التذكّر والانتباه والتركيز، إلى جانب إجراء صور رنين مغناطيسي للدماغ، سمحت للباحثين بتحليل التغيرات في حجم بعض المناطق الحيوية في الدماغ.

 انكماش في منطقة الحُصين وضعف في الأداء الذهني

النتائج كانت مقلقة: كلما زادت ساعات الجلوس اليومية، انخفض الأداء المعرفي للمشاركين، وظهرت علامات انكماش في منطقة الحُصين (Hippocampus)، وهي منطقة أساسية في الدماغ مسؤولة عن معالجة الذكريات والتعلم.

هذا الانكماش يُعد من أوائل التغيرات التي تحدث في الدماغ خلال مراحل الإصابة بمرض ألزهايمر، مما يدل على أن الجلوس المفرط قد يكون عاملًا مسرّعًا لهذه التغيرات، حتى في غياب أعراض واضحة في البداية.

المثير للقلق أكثر هو أن هذا التأثير السلبي سُجّل أيضًا لدى أولئك الذين كانوا يلتزمون بالتوصيات الصحية بممارسة ما لا يقل عن 150 دقيقة من التمارين أسبوعيًا، ما يعني أن التمارين وحدها ليست كافية لمعادلة أثر الجلوس المفرط.

الوراثة والخمول: مزيج خطير

أحد العوامل الإضافية التي رصدتها الدراسة هو ارتباط تأثير الخمول الجسدي بالعوامل الوراثية، فقد أشارت البيانات إلى أن الأشخاص الحاملين للجين APOE-e4 – المعروف بارتباطه بزيادة خطر الإصابة بألزهايمر – كانوا أكثر حساسية للتأثيرات السلبية للجلوس المطوّل، مقارنة بغيرهم.

هذا الجين الوراثي يُضاعف خطر الإصابة بالمرض إلى عشرة أضعاف، وعندما يُضاف إليه نمط حياة يتسم بالخمول، تصبح احتمالية تطور المرض أسرع وأكثر شدة.

 ضرورة بيولوجية لحماية الدماغ

الدكتورة ماريسا جونيات، الباحثة الرئيسية في الدراسة، صرّحت بأن "الوقاية من ألزهايمر لا ترتبط فقط بممارسة التمارين لوقت معين يوميًا، بل تعتمد على تقليل فترات الخمول خلال اليوم كله".

أما البروفيسورة أنجيلا جيفرسون، أخصائية الأعصاب المشاركة في البحث، فقد أكدت أن "الدماغ بحاجة إلى تحفيز مستمر، والحركة الدورية خلال اليوم تلعب دورًا محوريًا في الحفاظ على صحة الجهاز العصبي، خاصة لمن لديهم استعداد وراثي للإصابة".

 كيف يؤثر الجلوس على الدماغ؟

لا يزال العلماء يدرسون الآليات الدقيقة التي تجعل الجلوس الطويل يؤثر سلبًا على الدماغ، لكن النظرية الأقرب تشير إلى أن انخفاض تدفق الدم إلى الدماغ أثناء فترات الخمول الطويلة قد يؤدي إلى تراجع التغذية والأوكسجين الموجّه للخلايا العصبية، ما يُحفّز تدهورها بمرور الوقت.

كما أن قلة الحركة تؤثر على إفراز بعض المواد الكيميائية العصبية المفيدة مثل "BDNF" (عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ)، الذي يساعد في تجديد الخلايا العصبية ودعم وظائفها.

توصيات عملية للوقاية

استنادًا إلى نتائج الدراسة، يوصي الأطباء بالتالي:

  • تجنب الجلوس لأكثر من 30 إلى 45 دقيقة متواصلة دون حركة.
  • الوقوف والمشي لمدة 3 إلى 5 دقائق بين الجلسات الطويلة.
  • اعتماد مكاتب قابلة للتعديل بين الوقوف والجلوس في بيئات العمل.
  • إدماج الحركة في الحياة اليومية: المشي بدلاً من استخدام السيارة، صعود السلالم بدلًا من المصاعد، وتمارين التمدد القصيرة.
  • تقليل وقت مشاهدة التلفاز أو استخدام الهاتف دون حركة.

الحركة اليومية دواء وقائي للدماغ

الدراسة توجه رسالة واضحة ومباشرة: ممارسة الرياضة لبضع دقائق في اليوم لا تعني الوقاية من أمراض الدماغ، إذا قضيت بقية اليوم جالسًا.

الدماغ يحتاج إلى جرعات منتظمة من الحركة لتحافظ على مرونته وقدرته على التعلم والتذكر، خاصة في مرحلة ما بعد الخمسين.

وفي عالم يزداد فيه الاعتماد على التكنولوجيا والعمل المكتبي، يصبح التحرك خلال اليوم ليس رفاهية صحية، بل ضرورة عصبية لإنقاذ المستقبل العقلي.

تم نسخ الرابط