عاجل

رحيل أم القرآن في المنيا..قصة الشيخة محاسن أول محفظة كفيفة تترك إرثًا من النور

الشيخة محاسن بالمنيا
الشيخة محاسن بالمنيا

ودعت محافظة المنيا، أمس الأربعاء، قامة شامخة من قاماتها، هي الشيخة محاسن عبد الحميد مصطفى، أول محفظة للقرآن الكريم في تاريخ المحافظة، رحلت "أم القرآن" عن عمر ناهز (يذكر العمر إن توفر)، تاركة خلفها سيرة حياة ملهمة تجسد قوة الإرادة والتحدي والعطاء المتفاني، فقدت الشيخة محاسن بصرها في سن مبكرة، لكن هذا الابتلاء لم يقف حائلًا دون تحقيق حلمها الأسمى في حفظ كتاب الله العزيز وتعليمه لأجيال متعاقبة من أبناء قريتها.


عشق القرآن في الطفولة وإرادة فولاذية تتحدى العمى
منذ نعومة أظفارها، امتلكت محاسن عبد الحميد مصطفى، التي عرفها الجميع بـ "الشيخة محاسن"، شغفًا عميقًا بالقرآن الكريم وكلام الله، ورغم أن فقدان بصرها في طفولتها نتيجة إصابتها بمرض الدفتيريا كان له وقع كبير على مسار حياتها، إلا أنها لم تستسلم لليأس، بعزيمة وإصرار قل نظيرهما، تحدت الشيخة محاسن الصعاب لتصبح أول فتاة في قريتها الصغيرة تتمكن من حفظ القرآن الكريم كاملًا عن ظهر قلب، لتضرب بذلك أروع الأمثلة في قوة الروح والإيمان.


صوت القارئ و بداية رحلة النور
خلال حديث سابق لها، استرجعت الشيخة محاسن كيف كان لصوت الشيخ الذي يتلو القرآن على مسامع أطفال القرية الأثر العميق في نفسها، ليصبح نقطة تحول حقيقية في حياتها، ورغم نظرة المجتمع المتحفظة آنذاك لفكرة التحاق فتاة كفيفة بـ "الكتاب" لتعلم القرآن، إلا أنها وجدت الدعم والسند من والدها الذي آمن بقدراتها ورغبتها الصادقة، لتنطلق في رحلتها المباركة نحو حفظ كتاب الله.


دافعًا لفتح "كتاب" مجاني وعطاء بلا حدود
بعد زواجها، واجهت الشيخة محاسن تحديًا آخر تمثل في انفصالها عن زوجها بسبب عدم قدرتها على الإنجاب، وهو ما أدخل الحزن والوحدة إلى قلبها، لكنها لم تستسلم لهذه المشاعر، بل حولت محنتها إلى منحة وعطاء، وقررت فتح "كتاب" صغير في منزلها لتحفيظ القرآن الكريم لأبناء قريتها بالمجان، وسرعان ما تحولت الشيخة محاسن إلى رمز للعطاء والمحبة في قريتها، حيث كان الأطفال والشباب ينادونها بـ "ماما الحاجة محاسن" تقديرًا لدورها الأمومي والمعلم.


إرث مستمر وهبة منزل لخدمة القرآن بعد الرحيل
مع تقدمها في العمر، تجسدت روح العطاء لدى الشيخة محاسن في أبهى صورها، حيث قررت أن تهب منزلها الذي قضت فيه عمرها في خدمة كتاب الله لجمعية "نور الإسلام" في قريتها، كانت رؤيتها أن تستمر مسيرة تعليم القرآن الكريم ونشر نوره في قريتها حتى بعد رحيلها، ليظل إرثها من الخير والعطاء حيًا وشاهدًا على تفانيها وإخلاصها.


رحلت الشيخة محاسن عن عالمنا الفاني، لكن نور القرآن الذي غرسته في قلوب أبناء قريتها سيظل ساطعًا، وذكراها الطيبة وقيم الإيمان والعطاء التي علمتها لهم ستظل محفورة في وجدانهم، لتستمر مسيرتها المباركة في خدمة كتاب الله جيلاً بعد جيل.

تم نسخ الرابط