في ذكرى رحيله.. أنور وجدي «العبقري السابق لعصره» وواحد من أعمدة السينما

يُصادف اليوم، الأربعاء 14 مايو، الذكرى السنوية لرحيل الفنان الكبير أنور وجدي، أحد أبرز روّاد السينما المصرية في القرن العشرين، والذي غيّبه الموت عن عمر ناهز 51 عامًا، في مثل هذا اليوم من عام 1955، بعد أن قدّم مشوارًا فنيًا لا يُنسى ترك خلاله بصمة استثنائية لا تزال شاهدة على عبقريته حتى اليوم.
رغم مرور 70 عامًا على وفاته، لا تزال أعمال أنور وجدي تُعرض وتُناقش وتُدرس، بفضل ما تميّز به من موهبة شاملة قلّما اجتمعت في فنان واحد؛ فقد كان ممثلًا، ومخرجًا، وكاتبًا، ومنتجًا، وكان معروفًا بذكائه الحاد وجرأته في خوض المغامرات الفنية، ما جعله يتفوق على أبناء جيله، ويُصنف بحق كواحد من أهم صناع السينما المصرية والعربية في النصف الأول من القرن العشرين.
إرث فني ضخم
شارك أنور وجدي في ما يزيد عن 70 فيلمًا، تنوعت أدواره فيها ما بين الكوميديا، والدراما، والاستعراض، وقدم من خلالها نماذج بشرية متعددة لا تزال محفورة في ذاكرة الجمهور. لكن لم يتوقف طموحه عند التمثيل، بل قرر أن يدخل مجال الإنتاج السينمائي من أوسع أبوابه، حيث أسّس في أربعينيات القرن الماضي شركة خاصة حملت اسم "شركة الأفلام المتحدة للإنتاج والتوزيع السينمائي"، وكان ذلك عام 1945.
ومن خلال هذه الشركة، أنتج أنور وجدي ما يقرب من 20 فيلمًا، اعتبرها النقاد بمثابة محطات مفصلية في تاريخ السينما، من حيث الأسلوب البصري، وجودة السرد، وتقديم المواهب. من أبرز هذه الأفلام:
"قلبي دليلي" (1947)
"عنبر" (1948)
"غزل البنات" (1949) – الذي يُعد من أبرز كلاسيكيات السينما، وشارك فيه نخبة من نجوم العصر الذهبي.
ثنائيات صنعت التاريخ
من أبرز ما ميّز مسيرة أنور وجدي الفنية كانت شراكته الفنية والزوجية مع النجمة الكبيرة ليلى مراد، حيث كوّنا معًا ثنائيًا فنيًا نادرًا حاز إعجاب الجماهير والنقاد على حد سواء. قصة حبهما بدأت أثناء تصوير فيلم "ليلى بنت الفقراء"، الذي شهد إعلان الزواج في مشهد زفاف داخل الفيلم، وهو ما مثّل لحظة استثنائية في تاريخ السينما، حيث اختلط الواقع بالدراما على الشاشة.
استمرت زيجة أنور وجدي وليلى مراد قرابة سبع سنوات، تخللتها مجموعة من الأفلام التي شكلت علامة بارزة، وجعلت منهما واحدًا من أشهر الثنائيات الرومانسية في تاريخ السينما المصرية، قبل أن ينفصلا على المستويين الفني والشخصي، دون أن يؤثر ذلك على الاحترام الفني المتبادل بينهما.
مكتشف المواهب وصانع النجوم
لم تقتصر بصمة أنور وجدي على التمثيل أو الإنتاج فقط، بل امتد تأثيره إلى دعم المواهب الجديدة، ومن أبرز من قدّمهم للسينما الطفلة المعجزة فيروز، حيث أنتج لها ثلاثة أفلام دفعة واحدة:
"ياسمين"
"فيروز هانم"
"دهب"
وقد لاقت هذه الأفلام نجاحًا ساحقًا، وأسهمت في إبراز موهبة الطفلة الصغيرة، لتصبح ظاهرة سينمائية في وقتها.
كما يُعد أنور وجدي الفنان الوحيد الذي جمعته أعمال سينمائية مع ثلاث من أعظم نجمات الغناء العربي: كوكب الشرق أم كلثوم، وأسمهان، وليلى مراد، وهو ما يدل على مكانته الخاصة وسط كبار نجوم الفن في ذلك العصر.
أنور وجدي.. الفنان الذي سبق زمنه
كان أنور وجدي فنانًا يسبق عصره، لا يكتفي بالمعتاد أو المضمون، بل كان دائمًا يبحث عن الجديد، ويغامر بفكره، وينفذ رؤى سينمائية متقدمة في التقنيات والأساليب، ما جعله رائدًا في تحديث شكل الفيلم المصري من حيث الإخراج والإنتاج وحتى التوزيع.
وبرغم رحيله المبكر، لا تزال سيرته حيّة بين الأجيال، تُروى كتجربة مُلهمة عن الشغف، والطموح، والإبداع الحقيقي، حيث ترك خلفه مكتبة فنية ثرية ستظل تُمثل مرجعًا لكل دارسي وعشاق السينما.