في الماضي، كانت الرواية حكرًا على الإعلام. هو من يكتب العناوين، يحدد من البطل ومن الشرير، ويصوغ الوعي. كانت الشاشات ترسم الحقيقة لكن اليوم، تغيرت اللعبة.
الجمهور لم يعد مجرد متلقٍ، بل أصبح يشارك في كتابة القصة، أحيانًا يضيف إليها، وأحيانًا يُغيرها. بكبسة زر، أي شخص يمكنه نشر رواية جديدة، أحيانًا تكون مضادة لما يقدمه الإعلام.
الإعلام التقليدي يحاول الحفاظ على مكانته، لكن الجمهور لديه أدواته الخاصة: الهاتف، وسائل التواصل، والتعليقات. أصبح صوت الناس له تأثير كبير، ولا يمكن تجاهله.
لكن هل يعني هذا أن الجمهور أصبح هو من يملك الرواية وحده؟ لا. الحقيقة أن الصورة أصبحت أكثر تعقيدًا. الإعلام يمتلك المنصات الكبرى، والجمهور يمتلك القدرة على التأثير الفوري. الإعلام يضبط الإيقاع، والجمهور يستطيع تغييره حين يتفاعل مع موضوع ما.
وفي هذا الصراع، تظهر روايات متعددة، بعضها يعكس الحقيقة، وبعضها يختلف تمامًا.
كما قال مارشال ماكلوهان، عالم الإعلام الشهير: “الوسيلة هي الرسالة”. اليوم، الوسائل أصبحت كثيرة، والجمهور أصبح جزءًا من صناعة الرسالة، بل في بعض الأحيان يُعدلها حسب مزاجه وتفاعلاته.
لكن من بين أكبر المخاطر التي نواجهها اليوم هو انتشار الشائعات واستهداف الهوية في زمن تنتشر فيه الأخبار بسرعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح من السهل أن تنتشر الشائعات بشكل كبير، وتصل إلى أكبر عدد ممكن من الناس بسرعة. وقد يجد الشخص نفسه ضحية لمعلومات خاطئة تُشوه صورته أو تُغير روايته. هذا لا يؤثر على الأفراد فقط، بل قد يؤثر على المجتمعات والدول. الشائعات تُستخدم أحيانًا كأداة للفتنة، لنشر الانقسامات. والأمر الأسوأ أن الناس في بعض الأحيان يصدقون هذه الأخبار بناءً على مشاعرهم أو رغباتهم الشخصية، ما يزيد من تأثير الشائعات على الهوية الفردية والجماعية.
وفي ظل هذا الصراع، تولد روايات متعددة… تتكلم بصوت من يملك لحظة التأثير، لا من يملك الحقيقة.
فمن يملك الرواية فعلًا؟
من يصوغها… أم من يُصدّقها؟