حكم طهارة ملابس الإحرام إذا وقع عليها دم.. هل تبطل العبادة؟

في موسم الحج والعمرة، تتزايد استفسارات المسلمين حول الأحكام الفقهية المرتبطة بمناسك الإحرام، ومنها ما يتعلق بطهارة ملابس الإحرام، خاصة إذا وقع عليها دم أثناء أداء الشعائر. ومع تكرار هذا السؤال من الحجاج والمعتمرين، أوضحت دار الإفتاء المصرية الحكم الشرعي في هذه المسألة،
ينبغي على الـمُحْرِم المحافظة على نظافة ملابس إحرامه، فإن وقع عليها دمٌ من الـمُحْرِم نفسه وكان يسيرًا فهو من المعفو عنه، ولا يُخْرِج الملابس عن كونها طاهرة، وإن كان الدَّمُ الواقع كثيرًا فهو من المعفو عنه أيضًا على ما ذهب إليه الشافعية إذا كان غير مختلطٍ بدم غيره، ولم يجاوز المحل.
آراء الفقهاء في هذه المسألة :
أجمع العلماء على أن نظافة الثياب من أدب المسلم، خاصة في حال الإحرام. وقد ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا ثيابه وسخة، فقال: “أما كان هذا يجد ماءً يغسل به ثوبه؟”، ما يدل على أن نظافة الثوب مستحبّة، ويدخل المحرم في هذا الحكم دخولًا أولويًّا؛ لأنه مأمور كذلك بالاغتسال والتطيب قبل نية الإحرام.
ورغم عدم اشتراط طهارة الثوب لصحة الإحرام نفسه، فإن الطهارة شرط لصحة الصلاة، وبالتالي فإن إصابة ملابس المحرم بدم، ولو عن غير قصد، تستدعي النظر في الحكم الفقهي؛ خاصة إذا صلى بها.
الفقهاء يميزون بين نوعي الدم: اليسير والكثير
قسم فقهاء المذاهب الأربعة الدم الواقع على ملابس الإحرام إلى حالتين:
أولًا: الدم اليسير (الذي يُعفى عنه)
إذا كان الدم قليلًا بحيث يصعب الاحتراز منه، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز الصلاة في الملابس التي أصابها هذا النوع من الدم، باعتباره من النجاسات المعفو عنها.
• الحنفية والمالكية: حددوا “الدم اليسير” بما لا يتجاوز قدر “الدرهم”، وهو ما يعادل حجم كف اليد تقريبًا. واستدلوا بأن هذا القدر يُعفى عنه لاتفاق الفقهاء على مشقة التحرز منه.
• الشافعية والحنابلة: لم يضعوا حدًا كميًا، بل رجعوا إلى العرف، أي ما يراه الناس يسيرًا عادة، وهو ما يصعب اجتنابه في الحياة اليومية، مثل الدم الناتج عن بثور أو خدوش أو نزيف الأنف الخفيف.
لكن الشافعية فرقوا بين الدماء من حيث مصدرها، فالعفو عندهم يسير فقط في دم البراغيث ونحوها لمشقة التحرز، أما سائر الدماء ففيها خلاف، فبعضهم يرى العفو عن يسيرها، وآخرون يرون أن قليل النجاسة ككثيرها، ولا يُعفى عنها.
ثانيًا: الدم الكثير (الذي لا يُعفى عنه)
في حال كان الدم كثيرًا، واتسع على الثوب بشكل لافت، فقد أجمع الحنفية والمالكية والحنابلة على أنه لا يُعفى عنه، ويجب تطهير الثوب قبل أداء الصلاة فيه.
• قال الحنفية صراحة: إذا زاد الدم عن مقدار الدرهم لم تصح الصلاة.
• المالكية ذكروا أن ما يزيد عن الدرهم لا يُعفى عنه، ويجب التطهير.
• الحنابلة شددوا على أن الدم إذا تكاثر على الثوب لم يُجز الصلاة به، ووجب غسل الثوب أو تغييره.
أما الشافعية، فرغم اتفاقهم مع باقي المذاهب على وجوب تطهير الدم الكثير، إلا أنهم فرّقوا بين أن يكون الدم من الشخص نفسه أو من غيره، وبين أن يكون الدم قد انتقل إليه بفعل خارجي أو لا. فإن كان الدم كثيرًا لكن خرج من جسده نفسه دون فعل منه، ولم يجاوز موضع خروجه، فقد أجازوا العفو عنه