عاجل

خاص| صراع الكم والكيف في برلمان 2026: الجبهة مشتعلة والمعارضة متعارضة

مجلس النواب
مجلس النواب

بينما تدخل مصر مرحلة حاسمة من التحضير للاستحقاقات الانتخابية القادمة في 2025، وفي خضم ما شهده الحوار الوطني من نقاشات ممتدة حول الإصلاحات السياسية والتشريعية، عاد الجدل حول "زيادة عدد مقاعد البرلمان" إلى واجهة المشهد السياسي، وسط تباين واضح في مواقف الأحزاب والقوى السياسية، سواء في معسكر الحكومة أو المعارضة، حيث أن الجبهة الداخلية الحزبية تبدو مشتعلة، ليس فقط حول المبدأ، بل حول الأرقام والتوازنات والمكاسب والخسائر المتوقعة.

فهل تحتاج مصر بالفعل إلى برلمان أكبر؟ أم أن ما نحتاجه هو برلمان أكثر كفاءة؟ هل الزيادة تحقق تمثيلًا أوسع أم تعقيدًا في الأداء؟ وهل التوسع يخدم فكرة التعددية أم يعمّق من منطق السيطرة الحزبية؟ هذه الأسئلة وغيرها تشعل خلافًا مكتومًا أحيانًا وصاخبًا أحيانًا أخرى، داخل الأحزاب نفسها قبل أن تكون بينها، وهو ما يستعرضه موقع " نيوز رووم" في التقرير التالي:

معارضة منقسمة.. وأرقام تتحدث

في معسكر المعارضة، لا يبدو أن هناك توافقًا يذكر، الدكتور ياسر الهضيبي، سكرتير عام حزب الوفد وعضو مجلس الشيوخ، عبّر بوضوح عن تحفظه على المقترح، مؤكدًا في حديثه لـ«نيوز رووم» أن الديمقراطيات الكبرى لا تُقاس بعدد المقاعد، بل بفاعلية المؤسسات، مستشهدًا بأن العديد من الدول ذات الكثافة السكانية الأعلى من مصر، لديها برلمانات أصغر حجمًا وأكثر إنتاجًا.

ويشاركه الرأي النائب عبد المنعم إمام، رئيس حزب العدل، الذي أكد أن "المسألة لا تتعلق بالعدد، بل بالجودة والفعالية"، وقال في في حديثه لـ«نيوز رووم» إن مجلس النواب الحالي يضم 596 نائبًا، ومجلس الشيوخ 300 عضو، أي أننا بالفعل أمام كيانين ضخمين، لكنّ أداءهما لا يعكس بالضرورة هذه الكتلة من التمثيل".

وأجرى رئيس حزب العدل مقارنة رقمية لافتة، قائلاً: "الهند، بتعداد يتجاوز 1.4 مليار نسمة، يمثلها 545 نائبًا فقط.. والولايات المتحدة، بعدد سكان يبلغ 335 مليون، لديها 435 نائبًا.. أما إندونيسيا، فتمثل بـ575 نائبًا رغم أن عدد سكانها يقارب 280 مليون نسمة". وأضاف: "إذا كان كل نائب في مصر يحصل على دقيقتين فقط للكلمة، فكيف سيكون الحال إذا زدنا العدد؟ نحن نحتاج إلى برلمان يُسمع فيه الصوت، لا إلى ازدحام في المشهد".

واستند إمام إلى المادة 102 من الدستور المصري، التي نصت على ألا يقل عدد أعضاء مجلس النواب عن 450 عضوًا حين كان عدد السكان نحو 86 مليون نسمة، مضيفًا: "اليوم عدد السكان بلغ 107 ملايين تقريبًا، ما يعني أن التناسب السكاني يمكن أن يبرر عددًا قريبًا من 560 نائبًا، لا أكثر".

حجج مغايرة.. وزيادة للتمثيل لا للتكديس

في المقابل، تتبنى بعض الأحزاب منظورًا مختلفًا، يرى في الزيادة ضرورة ديمقراطية وليست رفاهية تنظيمية، ومن بينهم المهندس باسل عادل، رئيس حزب الوعي، الذي دعا إلى زيادة عدد المقاعد بحوالي 125 مقعدًا إضافيًا، لتوسيع قاعدة التمثيل وتقسيم الدوائر بشكل أكثر عدالة، بما يُيسر التواصل بين النائب وناخبيه.

وأكد رئيس حزب الوعي في حديثه لـ«نيوز رووم» أن مجلس الشيوخ تحديدًا بحاجة إلى توسيع قاعدة المعينين، بالنظر إلى طبيعته الاستشارية والفكرية، مطالبًا بأن تشمل التعيينات رموزًا حزبية وفكرية تمتلك الخبرة، كي تكون قادرة على صياغة سياسات أكثر نضجًا، قائلا: «هناك فراغ سياسي وفكري، ويجب أن نملأه لا أن نُضيّقه.. التوسعة هنا ضرورة عقلانية، لا حسبة حزبية».

"الجبهة الوطنية" منقسمة.. وصراع داخلي على المقاعد

وفي مفاجأة سياسية، علم "نيوز رووم" من مصادر مطلعة داخل حزب الجبهة الوطنية، أن الحزب يعاني انقسامًا داخليًا بشأن ملف زيادة عدد المقاعد، حيث يرى فريق من القيادات أن التوسع العددي سيمنح الحزب فرصة للحصول على تمثيل أكبر، خاصة في ظل منافسته الشرسة المنتظرة مع حزب مستقبل وطن.

بينما يعارض فريق آخر داخل الجبهة تلك الفكرة، معتبرين أن "الكم" وحده لا يصنع حضورًا سياسيًا مؤثرًا، وأنه من الأفضل التركيز على نوعية المرشحين والبرامج، بدلًا من الدخول في معارك عددية قد تؤدي إلى تشتت الرسالة السياسية وتآكل الهيبة البرلمانية.

وأكدت المصادر أن الجبهة ستعقد اجتماعات حاسمة في الفترة المقبلة لحسم موقفها الرسمي من المقترح، وسط ترقب داخل دوائرها التنظيمية.

مستقبل وطن.. ينتظر الأرقام

أما حزب مستقبل وطن، أكبر أحزاب الأغلبية، فيتخذ موقفًا محسوبًا وهادئًا، حيث أعلن النائب عصام هلال، وكيل اللجنة الدستورية والتشريعية بمجلس الشيوخ، أن الحزب وافق بشكل مبدئي على مقترح الزيادة الذي طُرح خلال جلسات الحوار الوطني، لكنه ربط موقفه النهائي بنتائج ودراسات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، لتحديد "العتبة الانتخابية" وعدد الناخبين في كل دائرة.

وأشار هلال في تصريحات له، إلى أن الحزب يُجري استعدادات موسعة للعملية الانتخابية المقبلة، ويتابع تفاصيل تقسيم الدوائر وترتيب القوائم، مؤكدًا أن "الزيادة في عدد المقاعد يجب أن تستند إلى أسس علمية وديموغرافية، لا إلى رغبات سياسية فقط".

وأكد أن الحزب لا يعارض مبدأ الزيادة إذا كانت ستؤدي إلى تمثيل أكثر عدالة وتوزيع منطقي للمقاعد، لكنه يحذر من الوقوع في فخ التضخم البرلماني غير المنتج، قائلاً: "نريد تمثيلًا حقيقيًا، لا مجرد مقاعد شاغرة".

أما حزب حماة الوطن، أكد من خلال الدكتور عمرو سليمان، أمين أمانة اللجان النوعية المتخصصة والمتحدث الرسمي لحزب "حماة الوطن" في حديثه لـ"نيوز رووم" أن الحزب برى أن عدد المقاعد الحالية مناسب ولا توجد حاجة ملحة لتغيير عدد المقاعد، وللهيئة الوطنية للانتخابات وفقا لقانون تأسيسها الحق في اقتراح إعادة تقسيم الدوائر.

في السياق ذاته، أكّد المستشار عادل عصمت، المستشار السياسي لحزب الغد، أن زيادة عدد مقاعد مجلس النواب في الانتخابات المقبلة بمقدار 53 مقعدًا ليست مسألة تقديرية، بل التزام دستوري وسياسي، يأتي تنفيذًا لتوصيات الحوار الوطني وانسجامًا مع حكم المحكمة الدستورية العليا.

وأوضح في تصريحات خاصة، أن الزيادة السكانية التي شهدتها مصر خلال السنوات الخمس الماضية، والتي بلغت نحو 7 ملايين مواطن، تُحتم إعادة النظر في التمثيل النيابي، بحيث يُصبح نائب لكل 143 ألف مواطن، وفقًا للمعادلة التي أقرتها المحكمة.

وأضاف أن هذه الزيادة ستُسهم في تحقيق عدالة التمثيل داخل الدوائر، ورفع كفاءة العملية التشريعية، لافتًا إلى أن العدد الإجمالي سيصل إلى 649 نائبًا (618 منتخبًا و31 معينًا)، بدلًا من 596 حاليًا، بما يعكس التزام الدولة بتطوير الحياة النيابية على أسس موضوعية وشفافة.

توصيات الحوار الوطني

توصيات لجنة مباشرة الحقوق السياسية والتمثيل النيابي بالحوار الوطني، كانت منطلق الجدل، إذ أوصت بزيادة عدد مقاعد البرلمان لمواكبة النمو السكاني، غير أن الواقع السياسي كشف أن الأحزاب، رغم مشاركتها في الحوار، لم تصل إلى أرضية مشتركة بشأن الصيغة النهائية.

تجارب دولية: الاتجاه نحو "برلمانات أخف"

في السنوات الأخيرة، اتجهت العديد من الدول إلى خفض عدد أعضاء برلماناتها، في مسعى لتحقيق التوازن بين التمثيل والكفاءة. ويستعرض «نيوز رووم» أبرز الأمثلة:

إيطاليا: في مارس 2020، أجرت تعديلًا دستوريًا خفض عدد أعضاء مجلس النواب من 630 إلى 400، ومجلس الشيوخ من 315 إلى 200.

ألمانيا: أقرت خفض عدد مقاعد البوندستاج من 736 إلى 630 بداية من الانتخابات المقبلة.

الجزائر: قلّصت عدد أعضاء المجلس الشعبي الوطني من 462 إلى 407.

المجر: خفّضت عدد النواب من 386 إلى 199.

فرنسا: طرح الرئيس ماكرون مبادرة لتقليص عدد أعضاء الجمعية الوطنية بنسبة 20%.

الولايات المتحدة الأمريكية: منذ عام 1929، حافظت على عدد ثابت لأعضاء الكونغرس (435 نائبًا، و100 عضو في الشيوخ) رغم تضاعف عدد السكان.

أرقام تستحق التوقف

عند إقرار دستور 2014، كان عدد سكان مصر نحو 86 مليون نسمة، ونص الدستور على ألا يقل عدد النواب عن 450 عضوًا، أي ما يعادل نائبًا لكل 191 ألف مواطن تقريبًا، واليوم، تجاوز عدد السكان 107 ملايين نسمة، وبنفس المعادلة، يصبح العدد المناسب للنواب حوالي 560 نائبًا فقط، في حين يبلغ العدد الحالي 596 نائبًا، وبالتالي، فإن برى البعض أن المعادلة السكانية لا تفرض زيادة فورية أو حتمية، بل قد تفتح الباب لإعادة تقييم التوزيع لا التوسع، بما يحقق عدالة التمثيل دون تحميل الدولة أعباء جديدة.

ومن الواضح أن ملف زيادة عدد مقاعد البرلمان لن يكون فصلاً عابرًا في مرحلة ما قبل الانتخابات، بل ربما يصبح واحدًا من المحاور الساخنة التي سترسم شكل البرلمان المقبل، لا من حيث العدد فقط، بل من حيث هيكل التمثيل وتوزيع القوى السياسية، وما بين من يطالب ببرلمان "يمثل الجميع"، وآخرين ينادون بـ"برلمان ينتج لا يتكدس"، تبقى الحقيقة أن إصلاح الحياة السياسية لا يُقاس بعدد الكراسي، بل بحجم الثقة المتبادلة بين الممثل والناخب، وبين البرلمان والدولة.

تم نسخ الرابط