علي فخر : الرحمة الفطرية لا تُخالف الشرع إذا لم تُقصَد بها إساءة أو حرمان

أثار الدكتور علي فخر، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، قضية شائكة تتعلق بعدالة الوالدين في توزيع العطاء بين أبنائهم، مؤكدًا أن تفضيل بعض الأبناء على بعض في العطاء هو مسألة خلافية بين الفقهاء، حيث يرى فريق منهم ضرورة المنع المطلق لأي تمييز، بينما يذهب آخرون إلى جواز التفضيل بشرط وجود مبررات شرعية تقبله العقول وتُقِرّه القلوب.
جاء ذلك خلال مشاركته في برنامج "فتاوى الناس"، الذي يقدمه الإعلامي مهند السادات على قناة "الناس"، حيث تناول الضيف أحكام التفرقة بين الأبناء في العطاء المالي أو العيني، وأثرها على العلاقات الأسرية والأحكام الشرعية المرتبطة بها.
رحمة الوالدين ليست ظلمًا
أكد الدكتور علي فخر أن الوالدين بطبيعتهما العاطفية قد يميلان لمساعدة أحد الأبناء في ظروف خاصة دون التفكير في مسألة العدالة الرياضية بين الجميع، مشددًا على أن هذا الميل فطري وإنساني لا يحتاج إلى نص شرعي لتبريره.
وقال: "الوالد أو الوالدة قد تدفعهما الشفقة لمساعدة ابن مريض أو عاطل أو صغير دون أن يقصدا ظلم الآخرين، وهذا مقبول ما دام في إطار الرحمة وليس التحيّز أو الجور".
شروط شرعية واضحة
وأوضح أمين الفتوى أن جواز التفضيل مشروط بأسباب واضحة ومحددة شرعًا، ومنها: "المرض المزمن أو العجز، الحاجة المالية المُلحة، الصغر والاعتماد الكلي على الأهل، الانشغال بطلب العلم أو الدراسة".
وأضاف: "إذا توافرت هذه الأسباب، جاز تخصيص أحد الأبناء بعطاء زائد، بشرط أن يكون الأمر في حياة الوالدين، ولا يُقصد به الإضرار أو التقليل من مكانة الأبناء الآخرين."
لامجال للتفضيل في الإرث
شدد فخر على أن أي تفضيل في العطاء يجب أن يتم في حياة الوالدين، لأنه بعد الوفاة يُطبَّق نظام الميراث كما حدده الشرع دون اجتهاد شخصي أو تمييز بين الورثة، موضحًا: "لا يجوز تخصيص أحد الأبناء بشيء من التركة بعد الوفاة، لأن الميراث حق شرعي لا يُجتهد فيه، وأي مخالفة لذلك تُعد ظلمًا وتعديًا على حقوق الآخرين".
وتابع فخر: "إذا وجدت البنت أو الابن في حاجة، فمن الطبيعي أن يحنو الأب أو الأم نحوه، لكن إذا تغيرت الأحوال، يتحول العطاء لمن هو في أمسّ الحاجة، وهذا هو التوازن الذي يُرضي الجميع".
وأوضح أن التغير في منح العطاء حسب الظروف لا يُعد ظلمًا، طالما لم يُقصد به تهميش الآخرين، بل هو تصرف إنساني نابع من الشفقة والرعاية.

الرحمة استثناء بشروط
اختتم الدكتور علي فخر حديثه بالتأكيد على أن العدل بين الأبناء هو الأصل الثابت في الشرع والتربية، ولكن استثناء أحد الأبناء في بعض الحالات بدافع الشفقة لا يُعد مخالفة شرعية إذا وُضعت له ضوابط.
وشدد: "يجب ألا يتحول التفضيل إلى عادة أو تمييز دائم، بل يجب أن يكون موقفًا إنسانيًا مرتبطًا بالظرف والوقت والضرورة".