"بيبي دايت".. كيف تُعلمنا غرائز الأطفال خسارة الوزن؟

في عالم التغذية المليء بالأنظمة المعقدة والوعود البراقة بخسارة الوزن السريعة، تبرز من حين إلى آخر أفكار خارجة عن المألوف، تُخالف السائد وتدعو إلى العودة إلى البساطة والفطرة. ومن بين تلك الأفكار، برز مؤخرًا ما يُعرف باسم "بيبي دايت"، أو "نظام الرُضّع الغذائي"، والذي تروّج له اختصاصية التغذية الأميركية نيكوليت بيس، مؤكدة أنه قد يكون المفتاح السحري لصحة أفضل ووزن مثالي للكبار.
ما يميّز هذا النظام ليس وصفاته أو مكوناته الغريبة، بل مصدر إلهامه: الأطفال الرضع. أجل، من كان يتخيّل أن يكون طفل لم يتجاوز عامه الأول هو المعلّم الأول للكبار في فن التغذية المتوازنة!
الطفل الصغير.. معلم كبير في فن الأكل الصحي
تقول بيس في تصريحات لصحيفة New York Post:"الطفل هو مفتاح الصحة والعافية للكبار. فطفل لم يعرف بعد المعايير الاجتماعية أو العادات الغذائية السيئة، يعرف بالفطرة متى يأكل، ومتى يتوقف، وماذا يحتاج."
هذه الملاحظة التي خرجت بها بيس بعد سنوات من العمل مع الأمهات الجدد، ألهمتها لتطوير فلسفة غذائية كاملة، لا تعتمد على الحرمان أو السعرات الحرارية، بل على تقليد سلوكيات الطفل تجاه الطعام.
"بيبي دايت": فلسفة ثلاثية الأبعاد
يقوم نظام "بيبي دايت" على ثلاث ركائز أساسية تسعى إلى إعادة تشكيل العلاقة بين الإنسان والطعام، وهي:
التوقيت الذكي
الأطفال لا يأكلون وفقًا لساعات محددة مُعلّقة على الحائط، بل استجابة لإشارات أجسادهم. ولهذا تنصح بيس بأن يتناول البالغون وجبة رئيسية كل ثلاث إلى أربع ساعات، على أن تبدأ الوجبة الأولى بعد الاستيقاظ بساعة إلى ثلاث ساعات كحد أقصى.
هذه الوجبة يجب أن تحتوي على:
- مصدر بروتين غني: مثل البيض، الزبادي اليوناني، الجبن.
- كربوهيدرات عالية الألياف: مثل الشوفان أو خبز القمح الكامل.
- حصة من الفاكهة أو الخضروات: لتأمين الفيتامينات والمعادن الضرورية.
بعدها، يتكرر النمط كل 3 إلى 4 ساعات: وجبة خفيفة ذكية، ثم وجبة غداء متوازنة، تليها وجبة خفيفة بعد الظهر، ثم وجبة عشاء معتدلة.
الكمية الذكية
يرفض "بيبي دايت" فلسفة "التخمة حتى الامتلاء"، أو تلك التي تدعو للصيام القاسي. بل يشجع على تناول وجبات صغيرة مخطط لها بذكاء، بحيث تُبقي الجسم في حالة شبع دون إرهاقه أو تجويعه. مثلًا:
بعد الإفطار بساعات، يمكن تناول شوربة نباتية أو سلطة خضراء مع القليل من البروتين النباتي (عدس، حمص، فول).
بين الغداء والعشاء، يُنصح بوجبة خفيفة تُسهم في سد الفجوة، مثل: قطعة فاكهة مع جبن، أو مكسرات نيئة، أو عصير غني بالبروتين.
التسلسل الغذائي الذكي: الخضار أولًا، لا تتأخر بها
أما بالنسبة للعشاء، فتوصي بيس بالبدء بحصة أو حصتين من الخضروات المطبوخة على البخار أو في الفرن، يليها:
بروتين خفيف: مثل الدجاج المشوي أو السمك.
كمية صغيرة من النشويات: كالبطاطا الحلوة أو الكينوا أو الأرز البني.
تؤكد بيس أن البدء بالخضروات يُشبع الجسم بالألياف، مما يُقلل الرغبة في تناول كميات زائدة من النشويات أو الدهون لاحقًا.
الطفل لا يأكل مللًا أو حزنًا
أحد المفاتيح النفسية المهمة في هذا النظام هو فهم أن الأطفال لا يأكلون لأسباب عاطفية. فهم لا يُفرطون في الطعام هربًا من التوتر، ولا يعوضون الملل بتناول الشوكولاتة. إنهم يأكلون لأنهم جائعون، ويتوقفون لأنهم شبعوا. ببساطة.
وفي المقابل، يعيش كثير من البالغين في حلقة مفرغة من "الأكل العاطفي"، سواء بسبب التوتر، الضغط الاجتماعي، أو حتى بسبب الإعلانات. وهنا يكمن دور "بيبي دايت" في إعادة الإنسان إلى فطرته الغذائية الأولى، حيث يتحكم الجسد لا المزاج.
ليس رجيمًا.. بل إعادة برمجة للغريزة الغذائية
من المهم أن نُدرك أن "بيبي دايت" لا يقدّم حمية غذائية تقليدية بقدر ما يقدم أسلوبًا حياتيًا جديدًا. فهو لا يطلب منك حساب السعرات بدقة أو حرمان نفسك من أصناف معينة، بل يُرشدك إلى كيفية:
- الاستماع لإشارات الجوع والشبع.
- التخطيط الذكي للوجبات.
- تناول الطعام بوعي لا بعشوائية.
وبهذا، يُصبح هدف خسارة الوزن مجرّد نتيجة ثانوية طبيعية لحياة صحية ومستقرة.
العودة إلى البساطة.. هي الحل
في زمن تتسابق فيه الأنظمة الغذائية على تقديم المعجزات، قد يكون الحل الحقيقي هو العودة إلى ما قبل التعقيد، إلى ما قبل العادات السيئة، إلى الطفولة.
ففي سلوك الطفل مع الطعام، يكمن درس بليغ للكبار: لا تفرط، لا تُهمل، لا تأكل إلا حين يحتاج جسدك، ولا تتوقف إلا حين يشكرك جسدك بالشبع.
"بيبي دايت" ليس بدعة جديدة، بل **دعوة للاستماع لما كنا نعرفه قبل أن ننغمس في صخب الحياة: أن البساطة هي الطريق إلى الصحه