الهند وباكستان .. حدود تطور الصراع وحسابات استخدام النووي

مع تصاعد حدة الاشتباكات بين الهند وباكستان والهجمات المتعددة التى شنتها باكستان ردا على الهجوم الهندى باستخدام طائرات مسيرة وذخائر أخرى على طول الحدود الغربية للهند يومي الخميس والجمعة، تتزايد المخاوف الاقلمية والدولية من تحول المواجهات لصدام عسكرى شامل .
ووفقًا لدراسة أعدها مركز رع للدراسات الاستراتيجية، فمع تصاعد حدة التوتر بين القوتين النوويتين، منذ بدء التوتر فى نهاية أبريل الماضي والهجوم العنيف الذي شهده إقليم كشمير المتنازع عليه، وفي الوقت الذي لا تزال الهند وباكستان يتواجهان فيه عسكريا، تصبو “فرانس 24” إلى تقديم نظرة عامة حول الترسانة النووية التي يمتلكها هذان العدوان اللدودان. من تاريخ استحواذهما على السلاح النووي إلى الوضع الحالي لقواتهما العسكرية مرورا بعقيدتهما النووية، عودة على تاريخ سباق بلدين جارين نحو التسلح النووي وأبعاده. وعليه، يكتسب الصراع بين الهند وباكستان، البلدين الجارين والشقيقين العدوين، أهمية بالغة لكونهما قوتان نوويتان، كما يثير هذا الواقع قلق المجتمع الدولي، في ظل مؤشرات تُجمع على احتمال اندلاع حرب أخرى، ستكون الخامسة بين نيودلهي وإسلام أباد منذ تقسيم “الهند البريطانية” في العام 1947. تأسيسًا على ما سبق، يطرح هذا التحليل، سؤال، هو: إلى أين يصل مستوى الصراع بين الطرفين، وما هي فرص التسوية بينهما؟
الهند وباكستان في المعادلة النووية:
في العام 1974، حطمت الهند أحد المحرمات المتمثل في الانتشار النووي. في تلك الفترة، كانت البلدان الوحيدة التي تمتلك رسميا السلاح النووي، هي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن،- أي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا إلى جانب الاتحاد السوفياتي والصين. ويعود ذلك إلى جهود برنامج بدأ في خمسينيات القرن الماضي. وقد حملت أول تجربة نووية للهند اسم “بوذا المبتسم”، وقامت بتفجير شحنة تزن 1400 كج تحت الأرض في موقع بوخران العسكري براجستان.
وعلى الرغم من أن المجتمع الدولي أدان التجربة، مما أدى إلى تشديد الرقابة على الصادرات النووية، إلا أنها شكلت إبراز عضلات قويا تجاه الخصوم الإقليميين، وخاصة الصين، التي خاضت معها الهند حربًا في العام 1962 حول أراض في الهيمالايا، وانتهت بهزيمة نيودلهي وخسارة أكثر من 3000 جندي بين قتيل ومفقود، مقابل ما يفوق 720 جنديا صينيا. فيما تم أسر حوالي 4000 جندي هندي. يذكر أنه هذه الحرب، شكلت صادة للهند، وفي السنوات التالية، كانت هناك ضغوط داخلية قوية عليها لترد نيودلهي على امتلاك الصين للسلاح النووي (منذ العام 1964).
أمام القوة النووية الجديدة لجارتها، بدأت باكستان بتكثيف جهودها للحصول بدورها على السلاح النووي، معتبرة الهند تهديدا وجوديا. وعلى عكس الجارة التي طورت برنامجها داخل حدودها، اعتمدت باكستان على شبكة تجسس صناعي ضخمة لسرقة التكنولوجيا والمهارات الغربية. وكان على رأس هذه الشبكة السرية، العالم عبد القدير خان الذي يُعتبر “أب القنبلة النووية الباكستانية.” ولم يكتف خان بجلب التكنولوجيا لبلاده، بل ساهم أيضا في تسريبها إلى ليبيا وإيران وكوريا الشمالية. وتحت الضغط الأمريكي، رضخت السلطات الباكستانية ووضعته قيد الإقامة الجبرية بإسلام أباد في العام 2004. ويقول بوكيرا في هذا الشأن: “أُجبر عبد القدير خان على الاعتراف عبر التلفزيون الرسمي، ما أثار استياء العديد من الباكستانيين الذين يعتبرونه بطلا قوميا.”
وفي السادس من شهر أبريل 1998، دخلت الهند وباكستان في سباق تسلح خطير. وكان التوتر بين البلدين على أشده آنذاك، بقيادة حكومة رئيس الوزراء الباكستاني محمد نواز شريف وحكومة القومي الهندوسي أتال بيهاري فاجبايي، الذي مثّلت ولايته بداية هيمنة حزب بهاراتيا جاناتا على الحياة السياسية الهندية. وقد بدأ التصعيد عندما اختبرت السلطات الباكستانية صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية. وردت الهند يومي 11 و13 مايو بإجراء خمس تجارب نووية تحت الأرض، تُعد الأولى منذ العام 1974. وبعد أسبوعين، أعلنت إسلام آباد أنها أجرت بنجاح خمس تجارب نووية مماثلة، لتصبح بذلك أول دولة إسلامية تمتلك أسلحة ذرية.
وأمام خطورة الوضع، أدانت الدول الغربية البلدين بشدة، وفرضت عليهما سلسلة من العقوبات الاقتصادية. وفي نهاية شهر يوليو، هدأت الأمور بعد قمة إقليمية جمعت أتال بيهاري فاجبايي ومحمد نواز شريف في كولومبو بسريلانكا. وفي نفس العام، اتفق البلدان على وقف مؤقت للتجارب النووية. وصادق الطرفان على معاهدة حظر شامل للتجارب النووية، تم تحضيرها في العام 1996. لكن في العام 1999، أدى صراع كارغيل، وهي أزمة كبرى أخرى بين البلدين، إلى إشعال فتيل التوتر من جديد.
وخلال العقدين الماضيين، واصل البلدان تطوير قدراتهما النووية. وعلى الرغم من أن عدد الرؤوس الحربية النووية لكلا البلدين يبقى سريا للغاية، يتفق الخبراء على أنها متساوية، إذ تمتلك باكستان نحو 170 رأسا نوويا و180 للهند. ويشار إلى أن نيودلهي وإسلام آباد لا تمتلكان الرؤوس الحربية فحسب، أي الشحنات النووية المصغرة، بل لديهما أيضا أنظمة إطلاق على غرار صواريخ أو طائرات قادرة على تنفيذ الضربات.
حدود تطور الصراع:
في هذا المجال، “تمتلك الهند ترسانة كاملة من الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، وصواريخ أغني الباليستية العابرة للقارات والقادرة على الوصول إلى أي بقعة في الأراضي الصينية، إضافة إلى قدراتها الجوية وطائراتها رافال، ومؤخرًا، بفضل قدراتها البحرية… ما يُظهر جليا أن الهنود قد حددوا برنامجهم النووي بناء على القدرات الصينية أكثر من أن تكون على القدرات الباكستانية”. كما تخطط نيودلهي لافتتاح قاعدة بحرية استراتيجية لغواصاتها النووية في ولاية أندرا براديش في العام 2026.
ومن جانبها، تركز باكستان في عقيدتها النووية بالكامل على عدوها اللدود الجارة القوية الهند. وتشمل ترسانتها سلسلة صواريخ “شاهين”، وطائرات مقاتلة أمريكية من طراز إف-16 إيه وإف-16 بي، فضلا عن طائرات صينية من نوع جيه إف-17 ثاندر، ويعود ذلك إلى تعاون عسكري طويل الأمد مع الولايات المتحدة ولكن مع الصين أيضا، موردتها الرئيسية للأسلحة.
وفى الأسابيع الأخيرة، أغلقت المدارس في كشمير الهندية بالكامل، فضلا عن المناطق المحاذية لباكستان في ولايتي البنجاب وراجستان. وأغلق 24 مطارا في شمال غرب الهند لأسباب أمنية. ومساء الخميس الماضي، هزت عدة انفجارات الشطر الهندي من كشمير التي يتنازع البلدان السيادة الكاملة عليها منذ تقسيمها وقت الاستقلال في 1947. كما عزت نيودلهي الانفجارات إلى سلسلة من الضربات بالمسيرات والصواريخ الباكستانية على منشآت عسكرية. وأعلنت وزارة الدفاع الهندية عن “تحييد التهديد وعدم سقوط خسائر”. عليه، ويمكن القول ان دخول سلاح المسيرات بشكل كبير ومفاجىء فى المواجهات وتبادل الضربات العسكرية قد يؤدى لانزلاق الامور لمواجهة عسكرية شاملة.
حسابات استخدام النووي:
تعتمد الهند رسميا مبدأ “لست أول من يستخدم” السلاح النووي، أي أنها تستخدم سلاحها فقط في حالة الرد على هجوم نووي. أما باكستان، فتظهر مرونة أكبر، وتجعل استخدام سلاحها النووي مشروطا بتهديدات “وجودية”، كالغزو العسكري مثلا. وبعبارة أخرى، تحتفظ إسلام آباد بحق “أول من يستخدم” السلاح النووي، وليس كرد على هجوم أي كإجراء انتقامي.
وفي تقرير برلماني فرنسي صدر في العام 2009 حول القضايا الجيوستراتيجية المتعلقة بالانتشار النووي، كتب النائبان جان ميشال بوشرون وجاك ميارد بخصوص هاتين العقيدتين: “يستند هذا الموقف إلى حقيقة مفادها أن القوات الهندية التقليدية تتفوق بشكل كبير على نظيرتها الباكستانية، إضافة إلى أن مساحة باكستان صغيرة، ما يجعلها عرضة لخطر كبير”. يذكر أنه منذ بداية التصعيد الحالي، لم تصدر تهديدات نووية صريحة، ما يدل على أن الردع النووي لا يزال فعالا، كما أن إسقاط مقاتلات (هندية)، ما يدل على أن الهند قللت من شأن قدرات باكستان العسكرية التقليدية.” ويضيف الخبير قائلا: “إنها إهانة بحق سلاح الجو الهندي، ما قد يدفع نيودلهي إلى نقل تدخلها العسكري إلى مستوى أبعد مما هو عليه حاليا.”
في العام 2019، ومع تصاعد التوتر بين البلدين إثر إلغاء رئيس الوزراء ناريندرا مودي الحكم الذاتي لجامو وكشمير، قامت مجموعة من العلماء بدراسة سيناريو حرب نووية جزئية بين الهند وباكستان. وخلصت الدراسة التي نشرت في مجلة ساينس أفانسز (Science Advances) حيث طرح الباحثون فرضية حرب تشمل ثلث ترسانات كلا البلدين، إلى النتيجة التالية: 125 مليون حالة وفاة وعواقب كارثية على النباتات والحيوانات تسببت في انتشار المجاعة والأمراض في قارة آسيا كلها.
وكشفت الاستنتاجات أيضا أن الدخان الناجم عن الحرائق الضخمة نتيجة الانفجارات من شأنه أن يحجب أشعة الشمس، الأمر الذي يؤدي حتما إلى نشوب شتاء نووي عالمي يدوم نحو عشر سنوات، تتبعه عواقب وخيمة على الإنتاج الزراعي. هذا، وأفاد تقرير صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام SIPRI السويدي بأن الهند استطاعت زيادة ترسانتها النووية في العام 2023 مثلما فعلت باكستان، وواصلت أيضا تطوير أنظمة إطلاق الأسلحة النووية. كما يسعى البلدان إلى امتلاك قدرة تزويد الصواريخ برؤوس حربية نووية متعددة. وهي تقنية تمتلكها القوى العظمى كروسيا وفرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، ومؤخرًا الصين.
وفى النهاية، يمكن القول إن الخطوة التى اقدم عليها رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودي من تركه للجيش كامل الحرية للتحرك ردا على هجوم كشمير وذلك ارضاء للتيار اليمينى المتطرف فى البلاد , قد ادى لزيادة تأزيم الامور بشكل غير مسبوق، خاصة مع نفى إسلام آباد أن تكون لها أي صلة بالهجوم ودعوتها لتحقيق مشترك. وأكد مسؤولون ياكستانيون ومنهم وزير الإعلام الباكستانى عطا الله تارار اكثر من مرة “أي عمل عدواني سيُقابل برد حاسم. ويبدو أن الضعوط الداخلية فى كلا البلدين تتجه بالأمور نحو مواجهة عسكرية جديدة قد تكون ذات طابع مفتوح بعد استهداف عاصمتى الدولتين فى المواجهات الحالية، خاصة وأن كشمير، ذات الغالبية المسلمة والتي يبلغ عدد سكانها نحو 15 مليون نسمة، قسمت بين باكستان والهند، لكن كلا من البلدين يطالب بها بالكامل. يذكر أن نحو 1,5 مليون شخص يعيشون قرب خط وقف إطلاق النار على الجانب الباكستاني من الحدود، حيث انهمك السكان ممن لديهم القدرة على ذلك في تجهيز ملاجئ بسيطة تحت الأرض ذات جدران طينية مُدعّمة بالخرسانة.