عاجل

أصعب من التنبؤ بالأبراج الفلكية

يديعوت آحرونوت: طموح ترامب في المنطقة يضر أمن إسرائيل

ولي العهد السعودي
ولي العهد السعودي والرئيس الأمريكي

وصفت صحيفة "يديعوت آحرونوت" العبرية التنبؤ بتحركات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه "أصعب من التنبؤ بالأبراج الفلكية". مضيفة أنه "في ظل حالة عدم اليقين التي غرسها منذ توليه الرئاسة، بدا وكأن سلوكه السياسي يتجاوز كل قواعد التوقعات".

ومع ذلك، وبعد مرور أكثر من مئة يوم على ولايته الثانية، بدأت تتبلور بعض المبادئ التي يمكن من خلالها استقراء مساراته المستقبلية. 

وانطلاقًا من هذه المبادئ، يمكن استشراف ما قد يحدث خلال زيارة الرئيس الأمريكي المرتقبة إلى الشرق الأوسط الأسبوع المقبل، والتي لن تشمل إسرائيل. 

ومن المتوقع أن يُدلي ترامب خلال الأربع والعشرين ساعة القادمة بتصريح يعتبره "محوريًا" في سياسة إدارته تجاه المنطقة، وخصوصًا غزة.

رهان ترامب على إنجازات خارجية

ترى الصحيفة العبرية أن ترامب، ومعه دائرته المقربة، يسعى إلى تحقيق إنجازات بارزة في مجالي السياسة الخارجية والاقتصاد، تعويضًا عن الأضرار التي تسببت بها سياساته الجمركية المتقلبة، والتي خلخلت النظام التجاري العالمي وأثرت سلبًا على الاقتصاد الأمريكي. وقد بدأت تداعيات هذه السياسات تظهر من خلال ارتفاع الأسعار والاضطرابات الاقتصادية التي بدأت تؤرق المواطن الأمريكي.

وتشير إلى أن زيارته المرتقبة إلى السعودية وقطر والإمارات تعكس هذا التوجه، إذ يأمل ترامب في العودة إلى واشنطن محملًا بصفقات أسلحة واستثمارات خليجية تقدر بعشرات المليارات من الدولارات. 

تضيف: "لكن ترامب يدرك أن دول الخليج لا تكتفي بشراء المعدات العسكرية المتطورة، مثل مقاتلات F-35 والذخائر الدقيقة. فهذه الدول، وعلى رأسها السعودية، ترى في إيران تهديدًا وجوديًا، ولا تزال تخشى امتلاكها قدرات نووية، حتى تحت غطاء الاستخدام المدني".

<span style=
رهان ترامب على إنجازات خارجية

الملف النووي السعودي يفرض نفسه

من هنا، تسعى السعودية للحصول على دعم أمريكي لإنشاء برنامج نووي مدني يماثل البرنامج الإيراني، مع الاحتفاظ بإمكانية تطويره إلى برنامج عسكري إذا اقتضت الضرورة. 

وعلى الرغم من أن الإدارات الأمريكية السابقة -بما فيها إدارة ترامب الأولى- رفضت الاستجابة لهذا الطلب، إلا أن تقارير صحفية تشير إلى أن ترامب يعتزم إعلان تغيير في هذا الموقف خلال زيارته المقبلة.

تطبيع بعيد المنال

تؤكد "يديعوت آحرنوت" أن هذا التحول قد يشكل أحد محاور إعلان ترامب المنتظر، لكنه لا يلبي كامل تطلعات دول الخليج، وخصوصًا السعودية وقطر. فالوضع في غزة بات مصدر قلق إقليمي، وقد يتحول إلى شرارة لاشتعال صراع واسع النطاق أو لاندلاع اضطرابات داخلية. 

ولذلك، تطالب هذه الدول بوقف دائم لإطلاق النار، واستئناف المساعدات الإنسانية، وتشكيل حكومة فلسطينية تدير القطاع في "اليوم التالي" لرحيل حماس. كما ترغب السعودية في إطلاق مفاوضات فعلية -وليس بالضرورة التوصل إلى اتفاق نهائي- بين إسرائيل والفلسطينيين بشأن حل الدولتين، وهو ما تدعمه أيضًا مصر والأردن.

غير أن هذه الطموحات تصطدم برفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، أو الدخول في مفاوضات حول إقامة دولة فلسطينية. لذا، فإن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية في المدى المنظور يبدو أمرًا غير وارد.

تخوف إسرائيلي من تنازلات محتملة

تخشى إسرائيل من أن تقدم إدارة ترامب تنازلات غير مسبوقة لدول الخليج، خاصةً فيما يتعلق بالسماح للسعودية بتخصيب اليورانيوم محليًا، أو تهميش المصالح الإسرائيلية في أي اتفاق هدنة مستقبلي في غزة، لا سيما إذا سمح ببقاء حماس واحتفاظها بأسلحتها وقيادتها، دون ضمان إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين.

وفي هذا السياق، يزور وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر واشنطن، في مسعى مزدوج: الحيلولة دون تفاجؤ إسرائيل بأي قرارات أمريكية، وضمان ألّا يترجم ترامب الاستثمارات الخليجية المرتقبة إلى تنازلات إسرائيلية تمكّن حماس من البقاء في الحكم.

<span style=
رهان ترامب على إنجازات خارجية

صراع داخلي في البيت الأبيض

تُحدد سياسة ترامب الخارجية اليوم من خلال صراع محتدم داخل البيت الأبيض بين معسكرين رئيسيين: الصقور المحافظين الجدد، والانعزاليين. يُؤمن الصقور، مثل روبرت أوبراين وزير الدفاع غالاغر، ووزير الخارجية روبيو، بسياسة "السلام عبر القوة"، ويدعمون الهيمنة الأمريكية باستخدام الوسائل العسكرية.

في المقابل، يرى الانعزاليون، ومن أبرزهم نائب الرئيس جيه. دي. فانس، ورئيسة موظفي البيت الأبيض سوزي وايلز، والمستشار النافذ ستيف ويتكوف، أن الولايات المتحدة يجب أن تنسحب من لعب دور "شرطي العالم"، وتركز على مصالحها الداخلية. يبدو أن هذا المعسكر هو صاحب الكلمة العليا حاليًا، وهو ما ظهر جليًا في قرار ترامب المفاجئ بوقف حملة القصف ضد الحوثيين دون التشاور مع إسرائيل.

وجاء وقف العمليات الأمريكية في اليمن ضمن سياق حملة أُطلق عليها اسم "الفارس الخشن"، كانت تهدف إلى تأمين حرية الملاحة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر. ومع أن الاتفاق الناتج ضمن حرية الملاحة للسفن الأمريكية فقط، إلا أن ترامب أعلن نصرًا سياسيًا، متجاهلًا الفجوة بين الهدف والنتيجة.

<span style=
رهان ترامب على إنجازات خارجية

قلق إسرائيلي متصاعد

هذا النمط من السلوك السياسي يثير مخاوف متزايدة في إسرائيل، التي تخشى أن يُطبق ترامب المنهج ذاته على الملف الإيراني، ويعلن عن اتفاق نووي "جديد" يتجاوز اتفاق أوباما لعام 2015، ولكنه يسمح لإيران بمواصلة تخصيب اليورانيوم والبقاء على عتبة القدرة النووية. في مثل هذا السيناريو، قد تجد إسرائيل نفسها عاجزة عن التدخل عسكريًا، حتى إذا كانت تملك القدرة على ذلك.

لكن من الخطأ اختزال قرارات ترامب في مجرد خلاف شخصي مع نتنياهو؛ فالرئيس الأمريكي السابق يتحرك وفق ما يراه مناسبًا للمصلحة الأمريكية، أو ما يُمليه عليه آخر شخص يثق به، دون استراتيجية ثابتة أو تحالفات طويلة الأمد.

وفي هذا السياق، لا يخفي كثير من المسؤولين الإسرائيليين، حنينهم إلى عهد بايدن، رغم تحفظاتهم على بعض مواقفه. فإدارته، وإن كانت أبطأت تسليم بعض شحنات الأسلحة وقيّدت بعض التحركات الإسرائيلية، فإنها على الأقل وفرت وضوحًا في المواقف. أما مع ترامب، فكل شيء وارد — بما في ذلك السيناريوهات الأسوأ.

تم نسخ الرابط