عاجل

"لاكوراوا" إرهاب قطاع الطرق.. التهديدات الأمنية تتصاعد في نيجيريا

لاكوراوا
"لاكوراوا"

تشهد نيجيريا تهديدًا جديدًا مرتبطًا بعودة ظهور مليشيات “لاكوراوا” في الجزء الشمالي من ولاية “كيبي” وولاية “سوكوتو” الشمالية الغربية سبتمبر 2024؛ حيث تجدد ظهور تلك المليشيات مرة أخرى بعد تراجع نشاطها في أعقاب العمليات الأمنية المشتركة التي نفذها كل من الجيشين النيجيري والنيجيري عام 2018، وقد أعلنت عن عودتها بتنفيذها عددًا من العمليات الإرهابية في نهاية عام 2024، وفي الربع الأول من عام 2025.

ملاحظات على “لاكوراوا”

ووفقًا لدراسة أعدها المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، ومن ثَمّ، هناك جملة من الملاحظات الأساسية تتعلق بملامح نشأة “لاكوراوا”، وسياق نشاطها، بجانب قدراتها البشرية واللوجستية، والتداعيات الأمنية المرتبطة بها، ويمكن استعراضها على النحو التالي:

الملاحظة الأولى: تتعلق بنشأة مليشيا “لاكوراوا“؛ إذ تشكلت تلك المليشيات في عام 1997، تحت قيادة “إبراهيم باري مايناصارا” في النيجر. وتمثل الهدف الرئيسي لتشكيلها في توفير الحماية للمجتمعات الرعوية التي تعاني من سرقة الماشية، لا سيما في غرب النيجر، وقد نجحت في تنفيذ هجمات فاعلة ضد قطاع الطرق المسلحين. لكن مع اغتيال “باري” 1999، واجهت مستقبلًا غامضًا؛ حيث سعى “مامادو تانجا” في أعقاب تولية السلطة إلى دمجها في الحرس الوطني النيجري، لكن حالت الخلافات السياسية داخل إدارته دون ذلك.

ومن ثَمّ، أدى فشل دمج مليشيات “لاكوراوا” في هيكل الأمن الوطني إلى تشكيل العديد من أفرادها جماعات مسلحة مستقلة. وقد مَثّل عام 2012، نقطة تحول في تاريخ “لاكوراوا”؛ حيث انضم عدد من عناصرها إلى حركة “التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا”، التي انشقت من تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” عام 2011، وبالتالي تحول رجال المليشيات المدعومون من الدولة إلى إرهابيين ومتمردين. 

وبعد أن أطلقت فرنسا عملية “سيرفال” في مطلع عام 2013، لطرد التنظيمات الإرهابية من شمال مالي، نزح العديد من مقاتلي حركة “التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا”، بما فيهم مقاتلون سابقون في “لاكوراوا”، وأُجبروا على الانتقال إلى أماكن أخرى. انتقل بعضهم جنوبًا، وعبروا إلى المناطق الحدودية مع النيجر، ثم استقروا بعد ذلك في شمال غرب نيجيريا.

الملاحظة الثانية: تتعلق بسياقات انتقال مليشيا “لاكوراوا” إلى شمال غرب نيجيريا، إذ تشير أغلب المصادر إلى أن استقدام تلك المليشيات تم بطلب من قبل القادة المحليين في شمال غرب نيجيريا عام 2017، لمكافحة قطاع الطرق وتوفير الحماية للمجتمعات. وبالفعل نجحت مليشيا “لاكوراوا” في صد هجمات قطاع الطرق المختلفة، لكنها انقلبت تدريجيًا على المجتمعات التي تم تعيينها لحمايتها؛ حيث سعت إلى فرض معتقداتها الأيديولوجية، إذ أجبر أعضاؤها الرعاة على دفع ضرائب على ماشيتهم تحت ستار الزكاة، وجلدوا القرويين لقيامهم بمخالفات كعزف الموسيقى أو الرقص، وشنوا عدة هجمات على قوات الأمن المحلية. 

وبالتالي، دفعت هذا الممارسات الجيشين النيجيري والنيجري إلى شن هجوم مشترك عليها في نهاية عام 2018. ومع ذلك، ظل أعضاء “لاكوراوا” في المنطقة بعد العمليات العسكرية، لكنهم امتنعوا عن شن أي هجمات. 

وفي سبتمبر 2021 عادوا إلى الظهور مرة أخرى، في ولاية “سوكوتو” وسط تصاعد الصراع بين قطاع الطرق ومليشيات “الشباب اليقظة” المعروفة باسم “يان ساكاي”(وهي مليشيات نشأت بمبادرة مجتمعية في شمال نيجيريا لحماية المجتمعات المحلية من التهديدات الإرهابية)؛ إذ تم استُدعاء “لاكوراوا” هذه المرة من قِبل قطاع الطرق ومجتمعات الفولاني في محاولة لهزيمة مليشيات “يان ساكاي” التي تزايدت هجماتها على رعاة الفولاني. 

الملاحظة الثالثة: تدور حول المحفزات الرئيسية لنشاط مليشيا “لاكوراوا” في شمال غرب نيجيريا؛ إذ تشترك منطقة شمال غرب نيجيريا في العديد من العوامل التي أسهمت في صعود “بوكو حرام” في الشمال الشرقي كانتشار الفقر، وانخفاض مستويات التعليم، بجانب انتشار الفكر السلفي. فضلًا عن تغيب قوات الأمن النيجيرية إلى حد كبير في الريف الشمالي الغربي؛ حيث تتركز المؤسسات الحكومية والبنية التحتية في المناطق الحضرية؛ مما يترك العديد من القرى بدون وجود مؤثر للدولة.

 ناهيك عن انهيار التعاون الأمني ​​بين دول الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس” في أعقاب سلسلة الانقلابات العسكرية منذ عام 2020 في منطقة الساحل، إذ عزا الجيش النيجيري عودة ظهور “لاكوراوا” في سبتمبر 2024 إلى فجوة في التنسيق الأمني ​​بين النيجر ونيجيريا عقب تعليق دوريات الحدود المشتركة بسبب انقلاب النيجر في يوليو 2023.

الملاحظة الرابعة: تنصرف إلى القدرات البشرية واللوجستية لمليشيات “لاكوراوا”، حيث قُدِّر عدد أعضاء تلك المليشيا في عام 2017 بأقل من 50 عنصرًا، لكن في فبراير 2025، أفاد تقرير أممي أن عدد أعضائها زاد إلى أكثر من 200 جاءوا من بوركينا فاسو ومالي والنيجر؛ مما يدل على سهولة التنقل عبر الحدود. 

وبصفة عامة تقدم “لاكوراوا” حوافز مادية لتشجيع الأفراد على الانضمام إلى صفوفها، بما في ذلك المال والبذور وأدوات الزراعة وآلات الري وهي مواد عليها طلب مرتفع في منطقة تأثرت بشدة بتغير المناخ وفقدان سبل العيش القائمة على الزراعة. كذلك استفادت “لاكوراوا” من وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الفكر المتطرف وتجنيد الشباب العاطلين عن العمل.

 وبالانتقال إلى القدرات اللوجستية، نجد أنها تمتلك أسلحة متطورة، بجانب امتلاكها أسلحة صغيرة وخفيفة ومتفجرات، فضلًا عن استخدامها الطائرات بدون طيار في أغراض مراقبة المجتمعات المحلية والتشكيلات العسكرية في جميع أنحاء المناطق التي تنشط فيها. 

الملاحظة الخامسة: تشير إلى استراتيجيات عمل مليشيات “لاكوراوا”، فبتتبع ديناميكيات عملها يتضح لنا أن تلك المليشيات اعتمدت على عدد من الاستراتيجيات؛ أولهما: التغلغل في المجتمعات المحلية، إذ قدمت “لاكوراوا ” نفسها كمدافع عن المجتمعات المحلية في شمال غرب نيجيريا عبر مكافحتها أعمال النهب والخطف وسرقة الماشية، لكنها بعد أداء هذا الدور، مكثت لفترة، وأقامت علاقات مصاهرة مع السكان المحليين، وبدأت بتجنيد أعضاء. ومنذ ذلك الحين، انقلبت على المجتمعات التي كانت تحميها سابقًا. 

ثانيهما: استغلال الفوضى، استغلت “لاكوراوا” التوترات القائمة في منطقة شمال غرب نيجيريا، حيث كان المزارعون والرعاة، وخاصة بين الهاوسا والفولاني، في صراع دائم، وأدت حالة الفوضى وتصاعد العنف إلى استماتة السكان المحليين في البحث عن أي شكل من أشكال الحماية. 

ثالثهما: استيراد البعد الأيديولوجي، استطاعت “لاكوراوا” الاستفادة من تنامي الخطابات المتطرفة في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، وعملت على فرض أفكارها المتطرفة، وقد عزز ذلك من قدراتهم على التجنيد وجعل مواجهتهم أكثر صعوبة، وفي هذا السياق، أشار تقرير أممي صادر في فبراير 2025 إلى احتمالية انتساب “لاكوراوا ” إلى تنظيم “داعش غرب أفريقيا”.

الملاحظة السادسة: تشير إلى التداعيات الأمنية المرتبطة بنشاط مليشيا “لاكوراوا”؛ إذ ينشط في نيجيريا عددٍ من التنظيمات الإرهابية، أبرزها: “داعش غرب أفريقيا”، وفصيل “بوكو حرام”، وجماعة “أنصارو” المرتبطة بتنظيم “القاعدة”، وجماعة “دار السلام” والتي تعد فصيل تابعًا لــ” بوكو حرام”، فضلًا عما أفادت به وسائل إعلام نيجيرية في 18 أبريل 2025 عن صعود جماعة سلفية جديدة تُعرف باسم “محمودة” هاجمت تجمعات سكنية حول منطقة كينجي في شمال وسط نيجيريا، هذا على صعيد.

وعلى صعيد ثانٍ، ثمة صراع مستمر بين “داعش غرب أفريقيا” و”بوكو حرام” في شمال شرق نيجيريا على خلفية محاولات الأولى بالتوسع في أراضي خاضعة لسيطرة الثانية. وقد أفاد أعضاء سابقون في كلا الفصيلين، أن كل منهما فقد عددًا أكبر من المقاتلين في صراعهم مع بعضهم البعض منذ عام 2021 مقارنة بالمواجهات مع القوات الأمنية الحكومية. 

وعلى صعيد ثالث، يُرهب قطاع الطرق المُسلّحون المجتمعات المحلية في شمال غرب نيجيريا، من خلال الأنشطة الإجرامية كالخطف مقابل فدية، ويفرضون السيادةَ بحكم الأمر الواقع على مساحاتٍ شاسعة من المنطقة. وبالتالي يفاقم نشاط “لاكوراوا” من التهديدات الأمنية المتصاعدة بالفعل؛ إذ أن احتمالية توسع نشاطها أو سعيها للتعاون مع قطاع الطرق أو التنسيق مع بعض التنظيمات الإرهابية، سوف ينعكس على اتساع حدة التهديد الأمني سواء داخل نيجيريا أو خارجها.

الملاحظة السابعة: تسلط الضوء على التهديدات المرتبطة بالاعتماد على المليشيات لفرض الأمن؛ حيث قدمت “لاكوراوا” نموذجًا لكيفية تطور المليشيات المسلحة التي تنشاها الدولة، إذ تشكلت في البداية لحماية الرعاة، ثم انقسمت إلى مقاتلين مستقلين، وانضم بعضهم إلى التنظيمات الإرهابية. وفي الوقت الحالي زاد توسعها في شمال نيجيريا من تعقيد الأمن الإقليمي. 

وبصفة عامة، يُمكن للمليشيات المسلحة في بداية تشكلها أن تقدم حماية ودعمًا مؤقتًا للمجتمعات التي نشأت فيها أو انتقلت إليها، لكنها بمرور الوقت، ترسّخ نفوذها وتطور من آليات عملها بحيث تتحول إما إلى قوى متمردة، أو تندمج مع جماعات إجرامية أو جماعات مسلحة أخرى؛ مما يُفاقم من حدة أعمال العنف وعدم الاستقرار الإقليمي.

مجمل القول، تتصاعد التهديدات الأمنية داخل الأراضي النيجيرية نتيجة عدد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، وتعد مليشيات “لاكوراوا” أبرز تلك التهديدات على خلفية تمتعها بمرونة تكتيكية وقدرة على التكيف، فثمة احتمالية لتحولها إلى تنظيم إرهابي ذات طابع إقليمي إذا لم يتم احتواؤها وتقويض نفوذها مبكرًا؛ الأمر الذي يتطلب استمرار الضغط الأمني عليها من ناحية، فضلًا عن اتخاذ إجراءات من شأنها تحسين الطروف الاجتماعية والاقتصادية التي تمثل حافزًا رئيسيًا لنشاطها من ناحية أخرى.

تم نسخ الرابط