إمام بالأوقاف: اليسر قاعدة أصيلة في الشريعة الإسلامية

أكد الشيخ محمد الجبالي، إمام وخطيب بوزارة الأوقاف، أن من أعظم النعم التي اختص الله بها أمة الإسلام أن جعل شريعتها قائمة على اليسر ورفع الحرج، مستشهدًا بقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "إن الله رضي لهذه الأمة اليسر وكره لها العسر".
وأضاف الجبالي، خلال لقاء له عبر قناة "الناس"، أن اليسر قيمة أساسية في الإسلام، ومنهج متكامل لا يقتصر على جانب دون آخر، بل يشمل كل أحكام الدين وتشريعاته، قائلاً: "اليسر خُلق إسلامي عظيم، بل قاعدة شرعية أصيلة، فالإسلام دين سهل سمح، لا غلو فيه ولا تمييع، إنما وسطية تراعي طبيعة النفس البشرية وحدود طاقتها."
منهج التيسير في هدي النبي
وتحدث الجبالي عن حرص النبي صلى الله عليه وسلم الدائم على التيسير في الدعوة والمعاملة، مستشهدًا بوصيته لمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري عند إرسالهما إلى اليمن: "يسّرا ولا تعسّرا، وبشّرا ولا تنفّرا، وتطاوعا ولا تختلفا"، موضحًا أن هذه التوجيهات لم تكن مجرد تعليمات دعوية، بل بمثابة دستور حياة يلخص جوهر التعامل مع الناس، داعيًا إلى تبني هذا المنهج في واقعنا المعاصر لتقريب الناس إلى الدين لا تنفيرهم منه.
وأشار إلى خطورة الغلو في الدين، ضاربًا المثل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما بلغه أن ثلاثة من الصحابة بالغوا في العبادات، فقال أحدهم: "أنا أصلي الليل كله"، وقال الآخر: "أنا أصوم الدهر"، وقال الثالث: "أنا أعتزل النساء ولا أتزوج". فوقف النبي صلى الله عليه وسلم لهم قائلاً: "لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني". وأكد الجبالي أن هذا الموقف يوجه رسالة واضحة بأن التشدد والتنطع ليسا من الدين، بل إن اليسر والاعتدال هما الأصل، مشددًا على ضرورة التمسك بسنة النبي في التوازن بين العبادة ومقتضيات الحياة.
صور التيسير في العبادات
وتناول الشيخ الجبالي مظاهر اليسر في العبادات المختلفة، قائلاً: "لقد رخص الله للمريض أن يصلي جالسًا، وللمسافر أن يقصر الصلاة ويجمعها، وفي الصيام قال تعالى: 'يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر'. وفي الزكاة فرق بين ما سُقي بالجهد وما سُقي بماء المطر تخفيفًا على المكلفين، وفي الحج لم يفرضه الله إلا على المستطيع مرة واحدة في العمر"، مبينًا: "هذه التشريعات تؤكد أن الشريعة الإسلامية راعت ظروف الناس وأحوالهم، ولم تكلفهم بما لا يطيقون."
واختتم الجبالي حديثه بالإشارة إلى أن اليسر في الإسلام لا يقتصر على الأحكام، بل يمتد إلى طريقة التعامل مع المخطئين، مستشهدًا بواقعة دخول أعرابي المسجد وبوله فيه، فلما همّ الصحابة بمنعه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "دعوه، إنما بُعثتم ميسّرين لا معسّرين"، ثم أمر بصب دلو من الماء على موضع البول. وأكد الجبالي أن هذا الموقف يعكس عظمة الرفق والرحمة في الإسلام، داعيًا إلى الاقتداء بالنبي في التعامل مع الناس بالحكمة واللين، بعيدًا عن التشدد والغلو.

اليسر في حياتنا
ودعاخطيب بوزارة الأوقاف في ختام حديثه إلى استحضار معاني اليسر في حياتنا اليومية، سواء في العبادة أو المعاملة، مشددًا على أن التيسير لا يعني التفريط، بل هو التزام بأحكام الشرع في إطار الرحمة والواقعية.