رجال تحت قناع الصمت: علامات خفية تشير إلى الاكتئاب

رغم أنّ الحديث عن الصحة النفسية لم يعد من المحرّمات كما كان سابقًا، إلا أنّ هناك شريحة واسعة لا تزال تعاني في صمت: الرجال. فبينما يُشجَّع النساء على التعبير عن مشاعرهن وطلب الدعم، يجد كثير من الرجال أنفسهم محاصرين في قوالب اجتماعية تدفعهم إلى الإنكار، الصمت، أو حتى اللجوء لسلوكيات مدمرة تخفي في باطنها نداء استغاثة صامتًا.
صراع داخلي لا يُرى بالعين المجردة
يمرّ الاكتئاب عند الرجال في كثير من الأحيان دون أن يلاحظه أحد – لا الأصدقاء، ولا أفراد العائلة، بل وأحيانًا حتى المصاب نفسه. إذ لا يتجلّى دائمًا في صورة دموع أو حزن ظاهر، بل يأخذ أشكالًا أخرى قد تُفسَّر خطأً على أنها طباع أو تغيرات مزاجية عابرة.
تقول الدراسات الحديثة، ومنها ما نشره موقع Onlymyhealth، إنّ الرجال غالبًا ما يُظهرون أعراضًا مختلفة عن تلك المتوقعة أو المعروفة للاكتئاب، مما يؤدي إلى تأخر التشخيص وغياب الدعم النفسي اللازم.
لماذا يصعب اكتشاف الاكتئاب لدى الرجال؟
الجواب يكمن في التكوين الثقافي والاجتماعي الذي ينشأ فيه الذكور منذ الطفولة. يُربّى كثير من الأولاد على مفاهيم مثل "الرجال لا يبكون"، "التحمل فضيلة"، و"الشكوى ضعف". ومع مرور الوقت، تتكرّس هذه القيم حتى تصبح حاجزًا يمنع الرجل من التعبير عن معاناته أو حتى الاعتراف بوجودها.
الأمر لا يتوقف عند عدم التعبير، بل يتعداه إلى تبني سلوكيات بديلة وخطيرة للهروب من الألم النفسي، ما يزيد الوضع تعقيدًا. ومع غياب الوعي المجتمعي بهذه الصورة المختلفة للاكتئاب الذكوري، يصبح الاكتشاف المبكر والتدخل العلاجي مهمة شبه مستحيلة.
7 علامات خفية تشير إلى معاناة الرجال من الاكتئاب
فيما يلي بعض العلامات التي يجب الانتباه إليها، والتي قد تبدو عادية أو غير مرتبطة بالحالة النفسية، لكنها قد تكون جرس إنذار:
الغضب والانفعال الزائد
بعكس الصورة النمطية للاكتئاب التي ترتبط بالحزن، قد يظهر الرجل المكتئب في صورة غاضب أو سريع الانفعال، يصرخ على أتفه الأسباب، أو يفتعل شجارات غير مبرّرة. هذا السلوك ليس قوة، بل قناع يخفي هشاشة داخلية لا يجد طريقة للتعبير عنها.
التهور والسلوكيات المحفوفة بالمخاطر
كثير من الرجال يلجأون إلى المخاطرة كسلوك تعويضي: قيادة متهورة، استهلاك مفرط للكحول أو المخدرات، الدخول في مغامرات مالية خطرة أو علاقات عابرة. هذه التصرفات قد تكون في حقيقتها وسيلة للهروب من الألم الداخلي أو حتى تمنيًا للموت دون الاعتراف بذلك.
آلام جسدية مستمرة دون تفسير طبي
الاكتئاب ليس نفسيًا فقط، بل يُترجم أيضًا إلى أعراض جسدية: صداع مزمن، مشاكل هضمية، آلام في الظهر أو العضلات. وغالبًا ما تكون هذه الأعراض مقاومة للعلاج لأنها ليست ناتجة عن سبب عضوي، بل عن ضغط نفسي عميق.
الانسحاب الاجتماعي
من أبرز العلامات هو الابتعاد عن الأصدقاء والعائلة، الانعزال عن التجمعات، وفقدان الرغبة في التفاعل مع المحيط. الوحدة لا تكون رغبة حقيقية دائمًا، بل قد تكون سجنًا نفسيًا يختاره الرجل بديلًا عن طلب المساعدة.
فقدان الاهتمام والشغف
يبدأ الرجل في فقدان الحماس للأشياء التي كان يحبها: الرياضة، الهوايات، الأنشطة الاجتماعية. حتى العلاقات العاطفية أو الجنسية قد تتأثر بشكل كبير، دون أن يربطها أحد بالحالة النفسية.
صعوبة التركيز والتشتت الذهني
يتراجع الأداء في العمل، وتقل القدرة على اتخاذ القرارات أو إتمام المهام اليومية. يُصبح العقل مشوشًا وكأنّه محاصر بضباب لا يمكن اختراقه.
الخدر العاطفي
في مراحل متقدمة، يشعر الرجل بفقدان أي إحساس: لا فرح، لا حزن، لا حب ولا كره. فقط بلادة في المشاعر، وكأنّه يعيش على الهامش بلا هدف أو طموح.
ليس كل من يعاني يُظهر كل العلامات
من المهم الإشارة إلى أن ظهور علامتين أو ثلاث لا يعني بالضرورة اكتئابًا مؤكدًا، لكنها إشارات لا ينبغي تجاهلها. الاستمرار في الملاحظة والتحدث بصراحة يمكن أن يُحدث فرقًا في حياة أي شخص.
الوصمة الاجتماعية تمنع الرجال
رغم التقدم في الحديث عن الصحة النفسية، لا يزال كثير من الرجال يرون في طلب المساعدة تهديدًا لصورتهم كرجل قوي. ولهذا، فإن تمكين الرجال من الحديث عن مشاعرهم، وخلق بيئة خالية من الأحكام، يُعدّ جزءًا أساسيًا من العلاج.
كيف تساعد رجلًا يبدو عليه الاكتئاب؟
- لا تبدأ بالحكم، بل بالاستماع.
- اعرض وجودك واهتمامك دون إلحاح.
- شجّعه على استشارة مختص نفسي، ورافقه إذا لزم الأمر.
- تواصل معه بانتظام حتى وإن بدا منغلقًا.
- تجنّب العبارات السلبية مثل: "شد حيلك"، "أنت رجل"، "ما فيك شيء".
- كن صبورًا، فالتحسن لا يأتي في يوم وليلة.
- لا تستهين بالإشارات الصامتة
قد يبدو الرجل القوي صلبًا من الخارج، لكنه قد يكون على وشك الانهيار داخليًا. انتبه، وكن حاضرًا. كلمة، اهتمام، أو لحظة إنصات قد تكون الفارق بين النجاة والسقوط.